نور الدين الغيلوفي
لم أنتظر خطاب نصر الله، وحتّى حين كنت أُسأل عنه أقول لا أدري. ولكنّني تابعته كما كنت أتابعه في أيّام البريق.. ولمّا أتمّ خطابه نظرت في شاشة هاتفي فوجدت أمّي قد طلبتني بنصف أذنها. هاتفتها فكان أوّل سؤالها:
– شفت حسن نصر الله يا كبدي؟
– نعم يا أمّي
– إيه يا وليدي والله بكّاني. وحده وقف إلى جانب المقاومة (طبعا أمّي تتكلّم العامّية)، لم يقف مع غزة أحد من العرب والمسلمين كما فعل حسن نصر الله.. سيكفّون القصف عن غزّة. أمّي تبحث، من فرط وجعها بما ترى، عن بطل. وقد رأت في حسن البطل الذي سيأمر بإيقاف العدوان على غزّة.
ثمّ إنّها أخذت تدعو له كما لو كان ولدَها.
قلت لها:
– ادعي للمقاومة، يا أمّي.
حسن نصر الله بارع في الكلام. ولكنّ لبراعته معنى في زمن الميدان، زمن البطولات والإنجاز.
ثمّ فقد الرجل بريقه بوقوفه مع نظام بشار الأسد المجرم ضد الشعب السوري في ثورته. وليس من السهل على ظهير لنظام مجرد يقصف شعبه بالبراميل المتفجّرة أن يتطهّر ولو حمله طوفان الأقصى في مَن حمل.
الرجل بدا هذه المرّة مسكونا بغرور أفسد فيه كلّ شيء.. يعرف أنّ العالَم ينتظره وفي ذهنه بطولات حزب الله في حروبه مع جيش العدوّ وفضله في تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة وبلائه في تحرير الأسرى من العدوّ.. لم يسطع، هذه المرّة، أن يخفيَ زهوه الذي بقي له وهو يتحدّث حتى أضاع تركيزه في أكثر من مرّة “بعرف أنكم كلكم ناطرين النقطة هاي.. قرأت أنّ متحدّثا صهيونيا قال نحن مثلما قال فلان، يعنيني أنا، أهون من بيت العنكبوت”.
ولعل أكبر عبارة أفلتت منه ففضحته هي عبارة
“الغموض البنّاء”.
يا حسن يا نصر الله
الزمن لم يعد يحتمل غموضا.. الطوفان أزال كلّ اللبس وجرف كلّ التلبيس. السياق يحتاج إلى كلمات بيّنات تترجمها أعمال واضحات.. وتلك لا تحتاج إلى إطالة ليست أكثر من كلام مكرور نقوله أو نسمعه في كلّ نادٍ.
التعاطف مع غزّة تعاطفَته شعوب بعيدة لا تتكلّم العربية شاهدت الشاشات مثلك.. وتجاوزته دول بعيدة جدّا ثارت للإنسان فيها.
الدين والشرف اللذان كنت تستثيرهما يقولان:
لا مجاز في الحرب ولا استعارات.
إذا كانت الحرب، يا حسن، فليس غير الوضوح يبني.