الى سفير ألمانيا بتونس: ليس لدينا مثلكم أية عقدة ذنب تجاه اليهود
عبد السلام الككلي
«إن الاحتلال يترتب عنه حتما القمع. وإن القمع يواجه بالمقاومة التي ستوصف بالإرهاب»
شارل ديغول نوفمبر 1967
دشّن وزير التربية يوم الخميس 26 أكتوبر 2023 المدرسة الإعدادية بالمحمدية بولاية بن عروس وقد شيّدت بقرض أوروبي وألماني. كان من بين الحضور سفير ألمانيا بتونس . وقد استغل السفير خلافا للأعراف الدبلوماسية حضوره ليصرّح أن الإسرائيليين «هم ضحايا الإرهاب الفلسطيني» فالضحية في نظره هو المعتدي الذي يحتل ارض غيره بعد أن اطرده منها ولم يمتثل بتاتا لقرارات الأمم المتّحدة في حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى أرضهم و الإرهابي في نظره هو الفلسطيني الذي يدافع عن حقّه في الحياة و في العودة الى وطنه.
ردّ وزير التربية على ما صرّح به السّفير الألماني: نحن لم نشارك في الهولوكوست وفي قتل اليهود، ولطالما كانت تونس أرضا للتعايش السلمي بين الأديان » مذكّرا السفير بجرائم الحرب التي ارتكبتها ألمانيا و بجرائمها ضدّ الإنسانية.
يجدر التذكير أن بلدان شمال إفريقيا كانت ساحة حرب خلال الحرب العالمية الثانية وقد غزت قوات ألمانيا النازية تونس يوم 17 نوفمبر 1942 وتعاون معها المقيم العام الفرنسي بتونس التابع لنظام المارشال «بيتان» الخاضع لسلطة ألمانيا النازية. نظّمت يوم 9 ديسمبر 1942 حملة بوليسية عنيفة ضد يهود تونس ألقي خلالها القبض على الألاف منهم وأجبر القادرون منهم على العمل لفائدة القوات الألمانية وهم قرابة الخمسة آلاف وأرسل غيرهم الى محتشدات الموت بأوروبا ومنع اليهود من العمل في الوظيفة العمومية وفي الإعلام بصفة عامة ومنعوا من النشاط الثقافي مثل المسرح والسينما.
يجدر التذكير أيضا أن المنصف باي التزم بحماية يهود تونس منذ تنصيبه حيث استدعى مختلف ممثلي الطائفة اليهودية وخاطبهم بأنهم أبناؤه لا فرق بينهم وبين أبنائه المسلمين وأوصى الحكومة التونسية بحمايتهم ولم يرضخ للضغوط المسلّطة عليه من «جون بيار استفا» المقيم العام الفرنسي ومن ممثل ألمانيا النازية بتونس فرفض وضع ختمه على أوامر أعدّها المقيم العام ضد يهود تونس كان نقلها عن نظام عنصري فرض على اليهود بفرنسا. فقد رفض ختم امر يلزم اليهود بحمل نجمة صفراء ورفض ختم امر يسخّر اليهود للعمل لفائدة جيوش المحور وهي أساسا الجيش الألماني والجيش الإيطالي ورفض إمضاء امر يمنع التجار اليهود من تمثيلهم بالمؤسسات الاقتصادية وإحلال التجار الفرنسيين محلهم وبسبب رفض المنصف باي ختم تلك الأوامر والتي أمضى عليها في شكل قرارات المقيم العام الفرنسي السالف الذكر مخالفا المنظومة القانونية السائدة في ذلك الزمن.
الى سفير ألمانيا بتونس: ليس لدينا مثلكم أية عقدة ذنب تجاه اليهود
في نفس الاطار حرص أعيان الدولة التونسية على حماية اليهود و عدم الاعتراف بأيّ نظام عنصري ضدّهم رفض محمد شنيق الوزير الأول في حكومة المنصف باي حضور الملتقيات التي منع فيها التجار اليهود من تمثيلهم في غرفة التجارة.
هذا تذكير بما قامت به الدولة التونسية خلال الحرب العالمية الثانية لحماية مصالح اليهود المادية والمعنوية رغم أنها قاصرة السيادة وتحت احتلال ثلاثي فرنسي ألماني إيطالي وهذا أيضا تذكير موجز بجرائم ألمانيا وفرنسا ضدّ يهود تونس يوجّه الى سفارة ألمانيا بتونس التي تتمسّك بما صرّح به سفيرها ببلادنا حيث نشرت يوم 27-10-2023 بلاغا ذكرت فيه أنّ السفير يأسف لأن تصريحاته قد تم تناولها وإعادة نشرها بشكل غير كامل وغير صحيح في وسائل الإعلام وذكرت في بلاغها أنّها تعرب عن أسفها لمعاناة السكان في غزة والضحايا الفلسطينيين، وأنها تتعاطف مع جميع ضحايا هذا الصراع الفلسطينيين والإسرائيليين والأجانب وأضافت أنها لا تستطيع تجاهل هذا التصعيد الحالي الناجم عن «هجوم إرهابي وحشي» شنته حركة حماس على إسرائيل.
سياسة الكيل بمكيالين
تتجاهل السفارة الألمانية ومنها الغرب ممثلة في حكوماته خاصة حقيقة ما يحدث في غزّة فلا تعتبره عدوانا وحرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني وإنما هو في نظرها مجرّد تصعيد ردّا على هجوم «إرهابي» شنّته حركة حماس على إسرائيل فهذا التصعيد شرعي في نظرها ويدخل في حق الدفاع عن النفس. هكذا تصبغ الشرعية على احتلال الأرض وعلى المستوطنات غير القانونية في الضفة التي يقتل اليوم سكانها أبضا بأيدي المستوطنين وجيش الاحتلال في جنين وغيرها وعلى الجدار العنصري وعلى تجويع أهل غزة منذ 15 سنة. هكذا يعتقد السفير مثل غيره أن القضية بدأت يوم 7 أكتوبر بهجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة وكأنه ليس هناك شعب يرزح تحت نير احتلال غاشم منذ 75 سنة وكأن حكومة إسرائيل الحالية ذات النزوع الدينية والقائمة على نبوءات توراتية ليست متورطة في قتل الفلسطينيين. لا يذكر السفير الألماني أن هناك وزيرا إسرائيليا في حكومة الإرهاب الديني يصف أهل غزة بالوحوش البشرية.. لسنا نطالبه أن يكون مع الفلسطينيين ولكننا نطالبه أن يكون عادلا في الحكم على هذا وذاك وان يكف هو وغيره عن الكيل بمكيالين واختزال القضية في هجوم حماس يوم 7 أكتوبر.
وبالرجوع الى توضيح سفارة ألمانيا في تونس فانه خلافا لما جاء فيه فإن تصريح السفير لم ينشر في الإعلام بشكل محرف وإنما نشر حرفيا كما هو وهو يترجم عن عقدة الذنب النازية التي لا تزال سائدة لدي كثيرا من المسؤولين الألمان ولدي غيرهم ممن يبرّرون العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين بالدفاع عن «الغرب وقيمه» وبالدفاع عن إسرائيل «الديمقراطية الوحيدة في منطقتها» وهو ما كانت صرّحت به رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية والتي أضافت أنّ وجود المدنيين بغزّة لا يمنع إسرائيل من دفاعها عن نفسها. فأيّ ديمقراطية يمكن لهم أن يبشّروا بها في أي بلد في العالم غير عالمهم «الغربي» وهم يبررون قتل شعب بكامله بواسطة منع الماء والغذاء والوقود على مليوني ضحية مهما كانت «وحشية» هجوم حماس في نظرهم فمتي كانت مقاومة مجموعة «إرهابية» على حد توصيفهم تبيح قصف المستشفيات وترحيل السكان.. ومن سيصدقهم في المستقبل وهم يستصرخون العالم دفاعا عن الأوكرانيين ضد «همجية» بوتين اذا كانوا ينظرون الى الأحداث بعين حولاء لا ترى غير أنصاف الحقائق أو نصف المشهد بحسب ما تمليه المصالح لا ما يمليه الضمير الإنساني.
تتمسّك سفارة ألمانيا بأن ما قامت به حركة حماس عمل إرهابي وتتغاضى تماما عمّا ترتكبه إسرائيل يوميا من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
إنّ مقاومة الاحتلال وحرب الإبادة هي حقّ طبيعي يمارسه الإنسان وهو حق مكفول بالقانون الدولي والإنساني. [1]
أما وصم المقاومة بأنها عمل إرهابي فهو وصم سياسي ولا علاقة له بالقانون الدولي أو الإنساني ألم تعتبر فرنسا «جبهة التحرير الوطنية» في الجزائر منظمة إرهابية قبل أن تتفاوض معها على الاستقلال ؟ الم تعتبر فرنسا الاستعمارية المقاومة المسلّحة في تونس إرهابا ؟ الم تكن منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية في نظر إسرائيل والغرب عموما قبل أن تصبح اليوم ممثلة في محمود عباس «الممثل الشرعي الوحيد» للشعب الفلسطيني والذي لا يعترف الغرب إلا به في حين انه بلا شرعية فالرجل لم ينتخب منذ 2005 أخر انتخابات جرت في الأراضي المحتلة ؟ الم تعتبر إسرائيل محمد أنور السادات شيطانا قبل أن تبرم معه صلحا ؟.
كم كان شارل ديغول الذي حاول تخليص فرنسا من الخضوع إلى الولايات المتحدة الراعية لدولة إسرائيل ذا رؤية حصيفة حين قال يوما في قراءة مستقبلية لما سينجم عن احتلال الدولة العبرية لأراض عربية كان ذلك في نوفمبر 1967 في ندوة صحفية عقدها بعد حرب الأيام الستة قال ديغول «أن الاحتلال يترتب عنه حتما القمع وأن القمع يواجه بالمقاومة التي ستوصف بالإرهاب». ولقد صدقت الرؤيا فها هو المقاوم أصبح إرهابيا والمحتل ضحية.
إن مصطلح «الإرهابي» كثيرا من يخفي إرادة قتل كل نفس مقاوم سواء لتحرير الأرض أو للدفاع عن الديمقراطية ويتساوى في استعماله من ينكرون على الشعوب حقها في تقرير مصيرها سواء كان هذا المصير في مواجهة محتل غاصب آو مستبد داخلي.
هامش
[1] اقر القانون الدوليّ بالحقّ في مقاومة الاحتلال، إذ أقرّت اتفاقية جنيف لسنة 1949 هذا الحق، ووضعت له شروطًا منها، أن يكون لحركة المقاومة تنظيم هرميّ محدّد القوام، وأن يميّز المقاومون المسلحون أنفسَهم عن السكان المدنيين بزيّ خاصّ،.
إذ تعتبر المادة 04 من اتفاقية جنيف لسنة 1949 أسرى الحرب هم الأشخاص الذين ينتمون إلي إحدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو:
1. أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات المسلحة.
2. أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلي أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلا، علي أن تتوفر الشروط التالية في هذه المليشيات أو الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:
(أ) أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه،
(ب) أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد،
(ج) أن تحمل الأسلحة جهرا،
(د) أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
غير ان تعديلات طرأت علي هذه الاتفاقية عام 1977، من خلال الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي لتبين أنه في بعض النزاعات المسلحة، قد لا يتمكّن المقاتلون من تمييز أنفسهم عن السكان المدنيين بطريقة ظاهرة، ويكون عليهم في هذه الحالة أن يستعيدوا مظهرَهم كمقاتلين ما داموا قد حملوا أسلحتَهم علانية خلال الاشتباكات العسكريَّة إذ تنص المادة 44 في فقرتها الثالثة على «أن يلتزم المقاتلون، إزياء لحماية المدنيين ضد آثار الأعمال العدائية، أن يميزوا أنفسهم عن السكان المدنيين أثناء اشتباكهم في هجوم أو في عملية عسكرية تجهز للهجوم. أما وهناك من مواقف المنازعات المسلحة ما لا يملك فيها المقاتل المسلح أن يميز نفسه على النحو المرغوب، فإنه يبقى عندئذ محتفظاً بوضعه كمقاتل شريطة أن يحمل سلاحه علناً في مثل هذه المواقف.»
اسطرلاب