يا أطفال غزّة علمونا
سامي براهم
كنت مستغرقا في متابعة صمود أطفال غزّة وهم يكتبون أسماءهم على أيديهم حتّى يتعرّف عليهم أهلوهم بعد استشهادهم… يستعدّون للموت كما يستعدّ التلاميذ لمدارسهم بعد عطلة صيفيّة… كان قلبي مترعا بالألم والحزن العميق… حتّى هاتفني أحد الأصدقاء ليحيطني علما بما ورد في تصريح رئيس فرقة البحث الموسيقي بحقّي في أحد البرامج التلفزية بعد أن عرض عليه منشط الحصّة تدوينة لي عن أغنية “هيلا هيلا يا مطر”.
القصّة وما فيها أنّني شاهدت على الفايسبوك شريطا لإحدى الحملات الانتخابية لحركة النهضة سنة 2014 أدّى فيها أحد المشاركين أغنية هيلا هيلا يا مطر فقمت بتنزيل الأغنية على صفحتي رمزا للفنّ الذي يجمع بين المختلفين… فردّ السيد نبراس بتدوينة أقلّ ما يقال فيها أنّها لا تصدر عن شخص يحمل رسالة فنيّة… فكتبت تدوينة للردّ على تدوينته “وهي التي عرضها عليه منشّط البرنامج الذي استضافه” ويبدو أنّ السيّد نبراس لا زال في نفسه شيء من أداء أغنيته في مناسبة نهضويّة”… وكان ردّه أنّني قياديّ نهضويّ وأنّ أداء الأغنية من طرف نهضويّ كان سببا في عدم ربح تونس وعدم نزول المطر !!!
وتفاعلا مع تصريحه أعلمه أنّني وإن لم أكن من منخرطي النهضة لا من قواعدها ولا من قياداتها بل كنت ولا أزال من منتقديها قبل الثورة وبعدها… فإنّه لا يعيبني أن أكون من المنتسبين لحركة دفعت الآلاف من المناضلين مساجين ومهجرين ومعذبين والعشرات من الشهداء على امتداد أجيال في سبيل الحريّة والكرامة… ولم تصل إلى الحكم على ظهر دبابة ولا انقلاب ولا انتخابات مزورة ولا محمولة على شاكلة “ستّي إن أعياك أمري…”.
انتقدنا أداءها السياسي بكلّ حدّة في الحكم وخارجه ولكن لم نسجّل عليها خيانة ولا انقلابا على الدّيمقراطية وإلى اليوم لم يثبت عليها القضاء ما يستحقّ المقاضاة الجزائية رغم كلّ التهم والتّشهير والقصف…
بينما يقبع قياديوها في السجون بسبب تدوينات وتصريحات ووشايات وإشاعات مفبركة… وتخضع للحصار والقمع يستضاف هو الفنّان الملتزم على شاشة التلفزة ليساهم دون حياء في قصفها وتشويهها وتصفية الحسابات القديمة معها ويفتح له المجال لإلقاء أغانيه عن الحريّة !!!
ثمّ أعجب كيف لفنّان يساريّ تقدّمي أن يربط بين انحباس المطر وأداء أغنية من أغانيه من طرف خصومه إلّا إذا كانت الأغنية ذاتها شؤما على التّونسيين وسببا لانحباس المطر…
أريد في الأخير أن أذكّره وهو الذي ينفي أن يكون للإسلاميين علاقة بالفنّ والجمال أنّ مهرجان الأغنية الملتزمة الذي احتضنته دار الثقافة ابن رشيق ذات سنة أسند الجائزة الأولى للأغنية الملتزمة لفرقة المرحلة ذات التوجّه المعلوم والتي غنّت كلمات شعراء مبدعين على رأسهم الشاعر بحري العرفاوي ورائعته لن “تعبروا فدماؤنا ليست ممرّ” وألحان الموسيقي المبدع نزار الوحايشي… دون نسيان مجموعة عشّاق الوطن ومجموعة الشمس الموسيقي التي عمّد تجربتها بالدّم عازف العود الفنّان الرّقيق الشّهيد عامر دقاش الذي قتل تحت التعذيب وألقي بجثّته من أحد طوابق وزارة الدّاخليّة… وغنّت أجود كلمات شاعرها المبدع هشام خلفاوي وألحان رئيسها الموسيقي المبدع عبد اللطيف النجّار…
هذا فاصل عرضي نعود بعده من جديد لأطفال غزّة… يا تلاميذ غزّة علّمونا كيف نشفى من أحقادنا… علّمونا كيف نحيا رجالا… لنموت شرفاء 🦋