منير شفيق
ثلاث مراحل حتى الآن للحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، وقد انطلقت بخطاب مهيب بصوت القائد الفذّ محمد ضيف (أبو خالد). وحملت عنواناً رئيسيّاً من كلمتين «طوفان الأقصى». وبهذا ابتدأت المرحلة الأولى من الحرب. وقد اتّسمت بما شاهدناه في الأيام الثلاثة أو الأربعة الممتدة من 7 إلى عشرة أكتوبر. وهي مشاهد لا تنسى.
ليس ثمة ثلاثة أيام في تاريخ دفاع الفلسطيني عن وطنه وشعبه ومستقبله يشبهها، من حيث العبقرية العسكرية في القيادة، والإتقان الحرفي التكتيكي الميداني في الخطة، والتنفيذ. وأخيراً، وليس آخراً، من حيث إنزال هزيمة عسكرية بالجيش الصهيوني على يد المقاومة الفلسطينية الأقل عدّة وعديداً وتسلحاً.
ما يجب أن يقال في هذه المرحلة يمكن أن يتذكره كل فرد فلسطيني وعربي ومسلم، كما كل حر في هذا العالم، وهو يشاهد وينفعل ويتفاعل، غير مصدّق ما يرى ويحدث. ودعك من الدموع التي ذرفتها ملايين العيون والقلوب.
إنّها المرحلة التي صنعت انتصاراً تاريخياً لقضية فلسطين، وهزيمة تاريخية لجيش الكيان الصهيوني ولأميركا. بل لكل الغرب الذي اعتبرها، ظالماً لنفسه ومتطوعاً، هزيمة له، وقد أطارت صوابه، وذلك كما عبّر عنه من مواقف عدائية، وردود فعل، وتحريك حاملات طائرات إلى المتوسط.
دخلت المرحلة الثانية بقرار صهيوني أميركي، يبدأ باستعادة السيطرة على ما سمّي بغلاف غزة، وباستراتيجية قصف جوّي وصاروخي ومدفعي لقطاع غزة، مستهدفاً المدنيين وبيوتهم، وقد وصل به، هذا الذي اعتبر ويعتبر جريمة حرب وإبادة بشرية، إلى أن يضرب المشافي المكتظة بالجرحى والجثث في غرفها، وردهاتها ومداخلها وساحاتها.
إنّها مرحلة الانتقام الجماعي من أهل غزة تحت شعار القضاء على «حماس» و«الجهاد» اللتين لن تصابا بالمرحلة الثانية إلّا بالقليل النادر، فيما راح يتواصل إطلاق الصواريخ، بقوّة، والتسلل إلى ما وراء السياج.
المرحلة الثانية، هي حرب الانتقام من المدنيين، والمساكن والمشافي، والبنى التحتية. أي هي الجانب القذر الذي تحمله الحرب المضادة ضد أهالي قطاع غزة. وقد أثبتوا، بدورهم، صموداً أسطورياً وبطولة، وصبراً جميلاً ما بعده من صبر.
على أنّ هذه الحرب قد تشفي غليل المهزومين الحاقدين في الانتقام من الشعب، ولا سيما النساء والأطفال وكبار السن، لكنها لا تُكسبهم حرباً، ولا تردّ لهم هيبة مدمَّرة. ولهذا راحوا يعدّون للمرحلة الثالثة. وهي اقتحام قطاع غزة. وهو الشرط الوحيد للوصول إلى «قوات عز الدين القسام»، وقوات «سرايا القدس»، وكل من يحمل السلاح من فصائل مقاومة في الميدان.
المرحلة الثالثة ستبدأ باقتحام قطاع غزة، وهي التي ستحسم نتيجة الحرب. لأن الحرب لا تُكسب إلّا على الأرض، وفي ميدان القتال، كما حدث في المرحلة الأولى مثلاً.
إنّ الدخول إلى قطاع غزة من قبل الجيش الصهيوني بالدبابات والطوافات والمسيّرات وبالمشاة سوف يفقده نقطة قوّته الوحيدة، وهي القتال من خلال القصف الجوي والبحري والبري، بعيداً من أي اشتباك مع المقاتلين من أسود المقاومة.
إنّ الهجوم البري يعني أن المعركة أصبحت على الأرض، والاشتباك من نقطة الصفر. وهنا ستحسم المعركة، وسيذوق الجيش الصهيوني هزيمة عسكرية، وسيكون مداها بالقدر الذي يدخل فيها. أي إذا جعلها معركة حسم فاصلة، وهُزم فيها، فسيكون أمام القوات التي انقضّت عليه في المرحلة الأولى، مضاعفة عديدها أضعافاً، طريق مفتوحة حتى الخليل وبيت لحم وربما القدس. فالجيش الذي يُهزم في المعركة الفاصلة، ويولي الإدبار، ما على خصمه إلّا أن يلحقه بسرعة، لا تسمح له بالتقاط الأنفاس.
إنّ الارتكاز على ما أبدته قيادة محمد ضيف وإخوانه، واضعي خطة الهجوم، في المرحلة الأولى، تسمح بوضع أعلى ثقة بتلك القيادة في مواجهة دحر الهجوم البري على قطاع غزة. وأضف: وحدة المقاومة والشعب.
وإنّ التجربة مع القيادة العسكرية والسياسية الصهيونية في تلقيها حرب المرحلة الأولى، وكيفية التعاطي مع الهجوم، ولو كان مفاجئاً، تسمح بانتظار أخطاء القيادة نفسها، وكيفية مواجهتها للصدمات. لأننا ما زلنا أمام الحالة نفسها. ففي الحرب والسياسة تجد الأخطاء تجرّ بعضها، والصواب يجرّ بعضه. إنّها مسألة منهج وعقلية في الحالتين. وكما يقول المثل الشعبي: «المال يجرّ المال والقمل يجرّ السيبان».
على أن نقطة أخرى مهمة يجب التوقّف عندها، ونحن نلقي نظرة على المراحل الثلاث المذكورة؛ وهي المتعلقة بالمرحلة الثانية، وهي مرحلة الانتقام الجماعي، وارتكاب جرائم الحرب، بحق أهالي قطاع غزة. وذلك ما راحت تشكّله من سوء سمعة للكيان الصهيوني، ولأميركا وحكومات الغرب، في نظر الرأي العام العالمي. وهو ما يمكن أن يُلمس بتعاظم حجم التظاهرات في كل عواصم العالم. وما أخذت جرائم قتل المدنيين تفعله من أثر في وجدان شعوب العالم، وضمائر أحرار العالم.
إنّ التقاء الانتصارين الميدانيين في المرحلتين الأولى والثالثة، مع التقاء الخسائر الفادحة في شعب يتحلّى بالصبر العظيم، مع انتشار الغضب الشعبي العالمي من الارتكابات الصهيونية، يشكّل النتيجة الكلّية لهذه الحرب التي ستنتهي وبالاً وكارثة، ليس على الجيش الصهيوني وقيادته السياسية، فحسب، وإنما أيضاً على مستقبل الكيان الصهيوني، وعلى الدول التي ناصرته، ووضعت أقدامها في حذائه.
وبكلمة أخرى، ستدفع أميركا، والغرب عموماً، ثمناً معنوياً سيّئ العواقب بسبب الدعم الأعمى للانتقام الجماعي الذي مورس على أهالي قطاع غزة.
• كاتب وسياسي فلسطيني