صحيح أن المعركة غير متكافئة، لكن…
كمال الشارني
صحيح أن المعركة غير متكافئة، لكنها كانت كذلك في معركة ديان بيان فو في في الفيتنام 1954 حين قاد الجنرال جياب جيش فلاحين بسطاء للانتصار على الجيش الفرنسي بمظلييه ومليشيات اللفيف الأجنبي وقواديه من السكان المحليين وبطائراته وقنابله المدعوم بحلف الناتو في واحدة من أعظم معارك التحرير في القرن العشرين أنهت عقلية الجبروت الاستعماري في آسيا، المعركة لم تكن متكافئة أيضا عندما وجهت أمريكا في حربها ضد الفيتناميين في 1964 أضعاف ما توجه اليوم لدعم الكيان الصهيوني: 2,7 مليون عسكري ولوجستيك حربي أعلى من إنزال النورماندي وكم هائل من القنابل المحرمة وقذائف النابالم والعنصر البرتقالي السام للقضاء على الغابات لمقاتلة فلاحين بسطاء بأسلحة بدائية، أي؟ انتهت الحرب بسقوط عاصمة الإمبريالية الأمريكية سايغون وهرب الأمريكيين وذل أنصارهم المحليين، 58 ألف قتيل و304 آلاف مصاب وجراح لا تندمل في ذاكرة جيل كامل في أمريكا لا يعرف حتى لماذا ذهب إلى الحرب، النصر يحتاج إرادة.
ليس هناك حاكم عربي واحد يؤمن بالنصر في أية حرب إلا الحرب ضد شعبه، يعول على هزيمة شعبه للبقاء في السلطة، لكن لنعد إلى كتاب “العرب من وجهة نظر يابانية” 2003، للكاتب الياباني نوبواكي نوتوهارا الذي عاش 30 عاما بين العرب يصف فيه أمراضنا :
- فهمت أن المواطن العربي يقرن بين الأملاك العامة والسلطة، وهو نفسيا في لاوعيه على الأقل ينتقم سلبيا من السلطة القمعية فيدمر وطنه بانتقامه.
- عقولنا في اليابان عاجزة عن فهم أن يمدح الكاتب السلطة أو أحد أفراد السلطة. هذا غير موجود لدينا على الإطلاق. نحن نستغرب ظاهرة مديح الحاكم، كما نستغرب رفع صوره في أوضاع مختلفة كأنه نجم سينمائي. باختصار، نحن لا نفهم علاقة الكتاب العرب بحكوماتهم.
- على العرب أن يفهموا التجربة اليابانية، فسيطرة العسكر على الشعب هي سبب دخول البلاد في حروب مجنونة.
الآن نعرف قيمة دمائنا وهم يتفقون على حماية الصهاينة وهم يبيدون جيلا كاملا من الأطفال والرضع، وقبل ذلك رأينا قيمة دمائنا في العراق حيث اشتركت إسرائيل والكثير من الجيوش العربية في إبادة العراقيين، وفي الحالتين ليس هناك أي أمل في العدالة الدولية أو الأخلاق أو الضمير، لأن أهم حكامنا يقترح على إسرائيل تهجير سكان غزة الى النقب وإبادة الباقين في هدوء وراحة بال، الآن نعرف من أين يأتينا هذا الهوان.
ليس القابض على الجمر في غزة كالجالس أمام حاسوب في سلام، وليس للقاعد أن يفتي للمجاهد، لكن: كم كنت أرجو أن يرفض الأشقاء الفلسطينيون أية مساعدة من دولة تساعد العدوان أو تدعو إلى تهجيرهم، إن لزم الأمر وأدخلوا المساعدات خلسة إلى غزة فيتم جمعها وحرقها في ساحة عامة، تقتل أولادي ثم ترسل لي مساعدة؟