كمال الشارني
من الصعب أن نفهم لماذا تدير جائزة نوبل للآداب ظهرها لأحد أهم كتاب اليابان، هاروكي موراكامي. اكتشتفه من خلال كتاب ضخم “كافكا على الشاطئ” عن طريق الصديق الناشر شوقي العنيزي حتى أني قلت مستغربا: “يا إلاه الفقراء، هل ثمة في هذا الزمن من يكتب رواية في 626 صفحة فما بالك بمن يقرأها؟”، لم أستطع خداع شوقي ليقرضني الكتاب ولم أملك مبررا لدفع 75 دينارا وقتها لكاتب لا أعرفه لذلك تحملت حماقات مواقع التحميل العربية لنسخة بي دي أف في ترجمة عربية لإيمان رزق الله، نص مفاجئ ومذهل: 623 صفحة من الخيال المفاجئ في قدرته على التشويق والإقناع بالقطط التي تتحدث، دفعتني إلى أن أعاف أغلب ما يتوفر لي من الأدب التونسي والعربي لمدة طويلة متسائلا لماذا لا يظهر كاتب بمثل ذلك المكر الدرامي والخيالي في العالم العربي ولم لا في تونس، أتذكر أني قرأتها في خمس أو ست حصص، ثم تابعت مثل من تأثر بذلك الكتاب كل عام في مثل هذا الوقت تعاليق النقاد حول استثناء هذا الكاتب الفذ من الجائزة الأكثر فخرا في الأدب، كان دائما ثمة من يقول إن عزاءه الوحيد أن كاتبا متفردا مثل البريطاني غراهام غرين لم يحصل عليها أيضا،
لنعد إلى تونس والعالم العربي، حيث تعمل الدولة بطرق خفية ومباشرة لكي لا يكون هناك غرام بالأدب الجيد المبدع حقا، مقابل فرض مسالك حكومية لنشر الأدب الوظيفي الرديء لأشخاص لم يخلقهم الله للسرد أصلا منذ نصوص القراءة في الابتدائي ونوعية الكتب المفروضة في الثانوي وصولا إلى الدعم على الورق وشراءات وزارات الثقافة، والشخص الذي يجمع بين “الأديب والناشر والناقد وعضو لجان الجوائز الأدبية والمترشح لها والمهرجانات” التي أنتجت لنا غلبة طحالب الأدب التي جعلت الناس ينفرون من الأدب التونسي والناشر أبو 500 نسخة فقط يحصل منها المؤلف على 50 نسخة هي كل حقوقه الأدبية ليتحمل محنة بيعها لأقاربه وفي المقاهي والحانات إن لزم الأمر حتى إن كان الصرف ناقص، يحدث هذا في بلد عاصمته ذات ثلاثة ملايين ساكن و750 ناشر بأقل من عشرين مكتبة، أغلبها يحتفي بالكتب الفرنسية والأدب المترجم، لأن المكتبة عندنا أصبحت تعني الفوتوكوبي متاع بطاقة التعريف وبيع الهدايا والعطورات وإن لزم الأمر شوية كتب سحر وجنس أو كتبا تراثية مجلدة لتزيين الصالون، يحدث هذا في بلد يقر فيه 89 بالمئة من المستجوبين أنهم لم يشتروا كتابا طيلة العام، وهذا ليس ذنبهم طبعا، بل لأن أغلبهم قضى فترة الإعدادي ثم الثانوي دون أن يجد نفسه مضطرا لقراءة كتاب، ثم إن المتوفر منها يدفع إلى “الغداد” حاشاكم منذ الصفحات الأولى، كما أن أثمان الكتب التونسية مرتفعة جدا، ليس لارتفاع كلفة الورق بل لأن الناشرين التونسيين يختارون ورقا فاخرا لكتب ذات محتوى غير فاخر، لا يستحق القراءة أصلا، أعطوني عدد الروايات التونسية التي ترجمت إلى لغات أخرى؟ لأن هاروكي موراكامي مثلا ترجم إلى أكثر من خمسين لغة حتى إن لم يحصل على نوبل للأدب.