محمد كشكار
ترجمة وتأثيث مواطن العالَم
يبدو أن “هنتنغتون” أخطأ في كتابه “صراع الحضارات” عندما تبنّى نظرية شاملة للتاريخ انطلاقًا من واقع قد يتغير وممكن يزول نهائيًّا.
كل نظرية للتاريخ هي بِنْتُ زمانها لذلك قد تصلح لفهم الحاضر الذي ظهرت فيه وقد تبدو تنويرية لو طبقناها على الماضي لكنها تبدو تقريبية وغير موضوعية لو أسقطناها على المستقبل بل تصبح قاصرة ومغامِرة وفي بعض الأحيان مدمِّرة.
نظرية “صراع الحضارات” قد تساعدنا على فهم بعض المواجهات التي تقع أحيانًا بين الست حضارات المنتشرة في العالم: الغربية والأرتودوكسية (روسيا مثلا) والإسلامية والهندية والصينية والأمريكية-اللاتينية. لكنها لا يمكن أن تساعدنا على فهم الصراعات الكبرى المعاصرة مثل الحرب العالمية الأولى والثانية (إضافة: فيلسوفي المفضل ميشال سار قال: الأوْلَى أن نسميها “الحرب على العالم” عوض ” الحرب العالمية “) لأنهما كانتا أساسًا صراعات داخل مجال حضاري واحد أي حدثتا بين غربيين وغربيين لكن شظاياهما وصلت إلى باقي المجالات الحضارية الأخرى. ولم تساعدنا أيضًا على فهم ظاهرة الأنظمة الشمولية اليسارية واليمينية أو كارثة “المحرقة” أو الحرب الباردة بين المعسكرَين الشيوعي والرأسمالي التي قسّمت المجالات الحضارية الأخرى من أسبانيا للسودان، من الصين لليونان، في الشيلي وحتى في أندونيسيا. لم تساعدنا على فهم حرب العراق التي بدأت وكأنها بين الغرب والإسلام كالحروب الصليبية ثم تحوّلت إلى حرب أهلية بين الشيعة والسنّة والأكراد لتصبح نوعًا من “لَيْ ذراع” بين القُوَى العظمى (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) وبين القُوَى الإقليمية أيضًا (السعودية وتركيا وإيران)، أي القُوَى المهيمنة في الشرق الأوسط. لم تساعدنا على فهم الحرب الأهلية في رواندا بين التوتسو والهوتو حيث قُتِل فيها مليون مواطن رواندي أي ما يقارب رُبع الشعب في ظرف أربع سنوات.
خاتمة: يبدو أن تاريخ البشرية يتكوّن من مجموعة أحداث متفرّقة ومنفردة لذلك يستعصي علينا فهمه باستعمال نظرية واحدة حتى ولو كانت نظرية “صراع الحضارات” لصاحبها هنتنغتون، بل نحتاج إلى سلسلة مفاتيح وليس من الحكمة تعويض السلسلة بمفتاح واحد، مفتاح متعدد الاستعمالات، يُفتَرَض فيه فتحُ جميع الأبواب.
إضافة: في كتابه “غرق الحضارات” الصادر سنة 2019، أكّد أمين معلوف معارضته لنظرية “صراع الحضارات” لصاحبها هنتنغتون. قال فيه أن تَراجعَ القِيم في جميع الحضارات دون استثناء كان ولا زال سببًا من أهم أسباب اختلال العالم.
Source d’inspiration : le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, prix : 7,9 €, 315 pages.
إمضائي:
أعترف أن لا هدف لي مسبقًا ومحدّدًا من وراء الكتابة والنشر سوى المتعة الفكرية في فترة التقاعد وتحلية مرارة انتظار الأجل كما قال الفيلسوف أبو نواس.
“وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ” (جبران خليل جبران)
تاريخ أول نشر على صفحتي الفيسبوكية: حمام الشط في 28 سبتمبر 2023.