أحمد الغيلوفي
تساءل بعض المُتقوّلين من غير الراسخين في العلم:
لماذا بدأ سيدنا بأقصى الشمال وأعطاه اسم “الإقليم الأول” وانتهى بالجنوب الذي اصبح خامسا. وقال هؤلاء: إن كان الأمر يعود للكثافة السكانية فسيكون الإقليم الثاني هو الأول والإقليم الثالث هو الثاني.. وان كان الأمر يعود للمساحة فسيكون الخامس هو الأول والرابع هو الثاني..
وفيهم طائفة قالت الشرق مُقدّم لدى الشرقيين وأولى أن يُبتدأ به لدى المسلمين فهو جهة القِبلة التي يصلى لها الناس ومنه جاء أصحاب رسول الله لهذه الربوع.. وفيهم من جمح به خياله حتى قال بان العرب تتيمّن بالشرق وتبتدِئ به وتتشاءم بالغرب وتُؤخره حتى قال بعض البدو من سكان “الإقليم الخامس” “ما يجي من الغرب ما يفرّح الڤلب”.. وخاض الجميع فيما ليس لهم به علم.
والحق أن سيدنا أبعد نظرا وأوسع خيالا من هؤلاء، فهو حين يرى الخريطة لا يستطيع أن يتمثّل الشريط الممتد من تطاوين إلى البرمة إلا بوصفه ذيلا، وبالتالي لا يكون الشمال إلا رأسا، وحين يرى نابل ينتابه شعور بأنه أنف، والرأس أحق أن يُبتدأ به والذيل أحق أن يُؤخّر.
وسيدنا لا شك مُطلّع على المناظرة بين البغداديين والبصريين حول المفاضلة بين ذيل السمكة ورأسها، فالرأس فيه العينان والدماغ وهو قائد والبدن مَقود، وليس أسوء من الذيل لذلك هو مُؤخّر.
وسيدنا مُطلع على الشعر العربي وهو ولا شك قد رتّب الأقاليم وفي ذهنه ما حدث لبني أنف الناقة مع الحطيئة الذي رفع من شأن الرأس والأنف وخسف بالذنب:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا
حرية التعبير يجب أن تكون فعلا بعد أن يكتسب الناس حرية التفكير.