سعادة

نور الدين الغيلوفي

– هل أنت سعيد؟
– لا أدري.
– هل تتخيّل معنى أن يكون المرء سعيدا؟
– لا أظنّ أنّني أستطيع أن أتخيّلَ.
– ما الذي تظنّه؟
– أظنّ أنّ السعادة كلمة قيمتُها في بريقِها، ومعناها في انتفائها.. أفقٌ مفتوحٌ على أملٍ يستمرّ مدى العمر.. وعمر الإنسان قصير لا يكفي لبناء عمارة للسعادة.. العالَم تحكمه النسبيّات، والسعادة معنى مطلق، والمطلق لا يسعه النسبيُّ المغلَق.

•••

هل، تُرى، صودرت السعادة منذ أن كتب الله على الإنسان غاية “لتشقى” فيها (الأرض)؟
هل كانت السعادة من بين الأسماء التي عُلِّمَها آدمُ قبل أن ينزل الأرض، وتركها عند نزوله، أم هي كلمة صنعها باللغة، بعد النزول، ليملأ بها، دالًّا، فراغَ الوجودِ منها مدلولًا؟ فبقيت اسمًا معلّقا على باب لا يؤدّي إلى معنى يصلح مرجعا.
ما السعادة؟
بعيدا عن المعاجم والمراجع وسياقات البحث في الميتافيزيقا، يبدو لي أنّ الإنسان لا يمكن أن يسند إلى نفسه فعلا مشتقًّا من السعادة.. كأن يقول سعدتُ أو أسعدُ أو سأسعدُ.. الأفعال تنقضي، وما ينقضي لا يكون السعادةَ.
سعِد يسعَد بعين مكسورة مثل فرِح يفرَحٌ.. و”الله لا يحبّ الفرحين” كما جاء في الذِّكر الحكيم.. وبقطع النظر عن السياق الذي ورد فيه التعبير القرآنيُّ لا شك أنّ له دلالة ما.
ولعل من دلالته أنّ السعادة فكرة مخادعة والإيمان بالسعادة عقيدة خاوية لا عقل يرافقها. الله سلّح الإنسان بالعقل والعقل مانح للفهم، والفهم مانع من العمى، ومقارفة السعادة وهمٌ أعمى.
السعداء وحدهم يستحقّون أن يكونوا فرحين، فرحين بما ليس له وجود مثل علبة فارغة أو بيت مهجور.

•••

السعادة لا تكون سعادة إلّا إذا اكتملت.. وهل اكتملت تجربة السعادة لأحد؟ أليس أنّ السعادة هي اليقين؟ واليقين، أليس هو انتهاء غاية؟ وهل انتهت غايةٌ لامرئ.. أليس كلٌّ راغبًا، ممّا يسرُّه، في مزيد؟
وهل يكون من النقصان سعادة؟
الإنسان مركّب.. بدن ونفس وعقل وقلب وحسٌّ وفهم ووعي وروح.. هب أنّ فردا من بين البشر نجح في صنع تركيبة من تلك العناصر عدّل ميزانها على السعادة القصوى، والسعادة لا تكون إلّا قصوى، لو أنّ امرأً بلغ أقصى سعادته فإنّ كونَه كائنا اجتماعيًّا لن يمنعه الوقوع من قمّة سعادته تلك.. إذ لا معنى لسعادة لا تكون مأدبة جامعة مانعة.. يجتمع السعداء عليها وتمنع من تسلّل المنغّصات. إنّه لا تكون السعادةُ سعادةً إلّا متى عمّت وخلت أرضُ البشر من شقيّ واحد.
إنّ السعادة التي لا تتحقّق للمجموع لا يمكن أن تكون.
حارسان يقفان أمام باب السعادة، يراقبانها:
العقل والعدل.
العقل مانعٌ من وجود السعادة مثل نبض لا يتوقّف،
والعدل شجرة في الجنّة،
والجنّة غادرها الإنسان..
بعقله…
ليشقى.

Exit mobile version