عبد السلام الككلي
أصدر قاضي التحقيق الأوّل بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب المتعهّد بالبحث في قضيتي «تكوين وفاق إرهابي» و «التآمر على أمن الدولة»، بطاقات جلب دولية في حقّ 12 شخصا، من المظنون فيهم والمحالين بحالة فرار، والذين ثبت تواجدهم خارج التراب التونسي، وبينهم مسؤولون سابقون رفيعو المستوى، وفق ما أفادت به الناطقة الرسمية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب والمساعدة الأولى لوكيل الجمهورية لديه، حنان قداس، في تصريح إعلامي، الثلاثاء 12 سبتمبر 2023.
والأشخاص المشمولون بالقرار، هم يوسف الشاهد، رئيس حكومة أسبق، ونادية عكاشة، مديرة الديوان الرئاسي سابقا، ومعاذ الخريجي وكمال القيزاني ومصطفى خذر وماهر زيد ولطفي زيتون، وزير أسبق وقيادي بالنهضة، وعبد القادر فرحات وعادل الدعداع وشهرزاد عكاشة وعلي الحليوي ورفيق يحي. وللإشارة فإنّ الأبحاث في هذه القضايا لا تزال جارية بخصوص بقيّة المظنون فيهم والمحالين بحالة فرار ليتسنى إصدار بطاقات جلب دولية في حقّهم.
فما هي بطاقة الجلب الدولية التي عاد الحديث عنها بقوة هذه الأيام بمناسبة إصدار قاضي التحقيق الأوّل بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب ال 12 بطاقة جلب دولية في حق الأشخاص المذكورين وهل هناك حظوظ لتنفيذها ؟
ما هي بطاقة الجلب ؟
ينص الفصل 68 من مجلة الإجراءات الجزائية على أنه إذا كان ذو الشبهة بحالة سراح يستدعى كتابة لاستنطاقه. والاستدعاء يتم بالطريقة الإدارية أو بواسطة العدل المنفذ وهو يحتوي على ما يلي:
أولا : اسم ذي الشبهة ولقبه وحرفته وعنوانه.
ثانيا : مكان الحضور وتاريخه وساعته.
ثالثا : نوع التهمة.
وينص الفصل 78 من المجلة على أنه إذا لم يحضر ذو الشبهة جاز لحاكم التحقيق أن يصدر ضده بطاقة جلب. وهذه البطاقة تكون مؤرخة وممضاة ومختومة ويذكر فيها ما يميز ذا الشبهة أتم تمييز، مع بيان موضوع التهمة والنصوص القانونية التي تنطبق عليها كما يضمن بها الإذن لكل عون من أعوان القوة العامة بإلقاء القبض عليه وجلبه أمام حاكم التحقيق.
وإذا لم يتيسر العثور على ذي الشبهة تعرض بطاقة الجلب على محرك أو شيخ مكان إقامته ليضع عليها علامة اطلاعه.
أما اذا كانت بطاقة الجلب دولية فتصدر بواسطة السلطة المعنية ما يسمى بالنشرة الحمراء الى الإنتربول لإدراجه في عملية التفتيش. وتصدر الإنتربول البطاقة الحمراء تنفيذا لطلب البلد المعني.
بواسطة هذه البطاقة يصبح الشخص المطلوب جلبه من بلده ملاحقا من قبل الشرطة الدولية، وهو ما يعني وبموجب هذه البطاقة أنه صار محل «بحث ومطاردة وتحديد مكان إقامة وطلب إيقاف بموجب صدور بطاقة جلب وإيقاف من قبل السلطات القضائية في البلد المعني».
وإذا ما أدرج شخص بقائمة المطلوبين دوليا فانه نظريا لا يستطيع السفر أو الظهور في الأماكن العامة، أو المشاركة في أنشطة علنية تحت طائلة القبض عليه، وترحيله فوراً، غير أن ذلك يتوقف طبعا على موقف السلطات في كل دولة.. فالشرطة الدولية لا تنفذ البطاقة بواسطة أعوان لها وبشكل مباشر.
غير انه من الجدير بالتذكير وبشكل خاص أن الشرطة الدولية لا تُصدر البطاقات الحمراء حسب قوانينها الداخلية بشكل إداري هكذا دون التثبت في تفاصيلها ودون قيود، لأنها تشترط، الالتزام التام بميثاق عمل المنظمة وخاصة المادة الثالثة منه التي تمنع منعاً باتاً على أعضائها طلب إصدار البطاقات الدولية للمطالبة بالقبض على «شخص أو جلبه بسبب نشاطه السياسي أو رأيه»، وهو ما يعني أن المنظمة لا تتدخل أبدا في القضايا ذات الطابع السياسي أو العسكري أو الديني أو العرقي.
بطاقة الجلب الدولية التي لا تنفذ
ومن الواضح آن شبهتي التآمر على أمن الدولة أو الإرهاب «اللتين شملتا في تونس كثيرا من المعارضين السياسيين والوزراء القدامى الذين اضطلعوا بمسؤوليات قبل 25 جويلية 2021 خاصة والى صحافيين والى قضاة وغيرهم في سلسلة تطول كل يوم أكثر فأكثر يغديها خطاب سياسي يجعل من تهمة الخيانة طعاما يوميا يقتات عليه التونسيون ويستهلكه البعض منهم بنهم شديد كرها لحقبة وقعت شيطنتها حقا وباطلا واضحي أكثر فاعليها متهمين إلى أن تثبت براءتهم وقد لا تثبت أبدا» ليست غير قضايا سياسية مفبركة بحسب ما تؤكده هيئات الدفاع عن المتهمين الموقوفين الآن في قضية «التآمر» والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية وهو ما يضفى طابعا سياسيا واضحا على كل القضايا المرتبطة بتهمتي التآمر والإرهاب وهي قضايا تثير كثيرا من الشكوك حول صلتها بما يحدث في تونس منذ 25 جويلية وما استتبعه الحدث من ملاحقة العشرات من الشخصيات العامة. ونظرا إلى الارتباط الظاهر بين صدور بطاقات الجلب والظروف السياسية التي تعيشها البلاد مع تكييف التهمة باعتبارها من قبيل التآمر خاصة وهي تهمة في غاية الخطورة يمكن أن يحكم فيها بالإعدام، فان هذه البطاقات تضع محليا ودوليا محل تساؤل استقلالية القرار القضائي في تونس ونتيجة لذلك فانه من المستحيل أن تستجيب الإنتربول الى الطلب التونسي مما يجعل البطاقة مجرد حركة سياسية للاستهلاك المحلي أكثر من أي غرض أخر. غير انه استهلاك له تبعات مدمرة على سمعة القضاء التونسي دوليا.
إنه من الغريب حقا أن يصدر قاض تونسي مثل هذه البطاقات!. فمن المفروض أن يكون على علم بكل المعطيات القانونية المذكورة مما سيضر بسمعة قضائنا المتهم داخليا وخارجيا بعدم الاستقلالية والتبعية التامة للسلطة السياسية وتنفيذ أوامرها.
وللتذكير فإن الإنتربول رفض في السابق تنفيذ بطاقة الجلب التي صدرت ضد الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي. فقد أكد المرزوقي يوم 9 مارس 2022 في تدوينة على صفحته الرسمية في الفيسبوك، أن الإنتربول أعلمه بأنه ليس موضوع أي إشعار أو نشر من قبل الإنتربول.
وأضاف «بأن هذا يعني أن بطاقة الجلب الدولية التي تم الإعلان عن إصدارها من طرف قاض بتعليمات من وزيرة العدل وتحريض من قيس سعيد نفسه لم يتم أخذها بعين الاعتبار». بحسب ما جاء على لسان المرزوقي.
ارحموا القضاء التونسي أيها السادة فما فيه يكفيه !
إسطرلاب