عبد اللطيف علوي
نسخة بورڨيبة ونسخة بن علي وهذه النّسخة المذرّحة الرّكيكة!
أتذكّر جيّدا أنّه في النّسختين السّابقتين، وكلّ أبناء جيلي لا شكّ يتذكّرون ذلك، أنّ كلاب السّلطة، من مخبرين ووشاة وقوّادين، كانوا يفعلون المستحيل لكي لا ينكشف أمرهم لعامّة النّاس وكانوا يجدون في ذلك حرجا عظيما ويسعون دائما بكلّ السّبل إلى دفع الشّبهة عنهم، لأنّهم يعلمون أنّ القوادة والطّحين مجلبة للعار وأنّ العار أطول من الأعمار، حتّى ولو كسبوا بها بعض المصالح الآنيّة.
وكانوا يعرفون أنّ العار لن يطالهم وحدهم، وإنّما سيدفع ثمنه كذلك أبناؤهم من بعدهم، وسينشؤون أذلاّء صاغرين ينكسون رؤوسهم كلّما ذكرت سيرة آبائهم!
أتذكّر في التّسعينات كان جماعة “الشّعبة” يشرفون على زردة صالح البلطي، الّتي تحوّلت فيما بعد إلى مهرجان، وأتذكّر أنّ أحد التّجمّعين جاء يدعوني للمشاركة في أمسية شعريّة على هامش الزّردة، يحضرها السّيّد المعتمد والوالي وأعضاء لجنة التّنسيق وهاكا الرّيق، وعندما يئس من إقناعي بالمشاركة قال لي: “يا ولدي رانا بكلّنا تجمّعيّين كان بالفم، هم ياكلوا فينا بالتّدربيك واحنا ناكلوا فيهم بالتّدربيك!”.
الأمثلة كثيرة لكلاب سلطة كنّا نعرف أنّهم كلاب سلطة ولكنّهم لم يكونوا أبدا يجدون الرّقعة ولا الوقاحة ولا الرّخص ليقف أحدهم ويقول: نعم أنا قوّاد رخيص بلا شرف!
حتّى عندما يلتقي أحدهم صدفة أحد معارضي السّلطة كان يحرص على أن يظهر له الكثير من الإحترام والتّقدير ويعامله بودّ لا يجعلك تشكّ أبدا في أنّه سيمضي بعد دقائق في سرّه ليقدّم به إخباريّته كالعادة!
مردّ ذلك أنّه كان هناك شيء من حمرة الخجل، حتّى بالنّسبة للقوّاد، لأنّه حتّى وإن كان هو قد غلب طحينه ماءه، فإنّه يحبّ أبناءه ويخاف أن يلحقهم عار لا يمحوه طول الأعمار.
اليوم صار كلّ شيء مذرّح! حتّى القوّادة وكلاب السّلطة صاروا مذرّحين ومقرفين ويراودون على أنفسهم كما تراود البغايا، لا تجد في وجوههم قطرة واحدة من ماء الخجل!
لذلك نعيش اليوم مرحلة من أوسخ وأقذر ما تعجز عن تخيّله!
ولذلك أقول مرّة أخرى، يجب أن يفعل التّاريخ فعله، وأن تصيب اللّعنة من تصيب، ويجرف الطّوفان من يجرف، وبعدها… سنرى، إن كان قد بقي على هذه المخروبة ما يستحقّ الحياه!