ونحن على وشك التفريط في مجوهرات العائلة
كمال الشارني
أعرف السيد قيس سعيد قبل أن يصبح رئيسا، وهو دون أي شك، لا يملك أية رؤية اقتصادية أو مشروعا للإصلاح الاقتصادي، بل يبدو بتكوين أدبي قديم لا يفهم في الاقتصاد أصلا ولا أذكر أنه ادعى ذلك يوما،
والآن، يثبت لنا أنه لم يملك حوله أي مستشار ولا مشروع في الاقتصاد ونحن في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن، على وشك أن نعرض للبيع les bijoux de famille في سوق العصر لأننا لا نملك أي بديل آخر، لن تكون الدولة قادرة على دفع أجور عشرات الآلاف من الموظفين إلا إذا أعادت هذه المؤسسات إلى العمل لتحقيق توازن معقول بين مصاريفها ومداخيلها وحققت البلاد نسبة نمو تزيد عن 7% وهو حلم غير واقعي من هنا إلى 2030.
مما يجب أن أذكره للدكتور منجي مرزوق وزيرا للطاقة والمناجم: “لن أمضي أبدا على أي قرار انتداب إلا إذا برر لي المسؤول عن المؤسسة حاجته إليه وقدم خطة للانتداب وفق التناظر العادل”، هذا عندما كان الكثير من السياسيين والنواب وأصحاب العلاقات يرابطون أمام مقر الوزارة وفي الطابق الخامس من مقرها حيث الديوان يحمل كل واحد منهم قائمة للانتداب في مؤسسات الطاقة،
في 2020، على طريق تأليف على كتاب “وينو البترول” الذي لم أتمه بعد، اكتشفت الظروف الرومنسية المذهلة لتأسيس الشركات الوطنية الكبرى التي صنعت السيادة والسلام الاجتماعي والأحلام في الدولة الوطنية سنوات الستين مثل الستاغ والسوناد، الشركة التونسية لصناعات التكرير STIR وشركة أجيب AGIP الي أسسها الإيطاليون نكاية في فرنسا عام 1960 ثم تحولت إلى عجيل التونسية، تونسة الخطوط التونسية 1958، إنشاء شركات النقل العمومي بدءا بتونسة سكك الحديد وصولا إلى فسفاط قفصة، أي، كل هذا التراث الذي تركه لنا الآباء المؤسسون ينهار الآن أمام أعيننا بعد أن تصرفنا فيه مثل “أكل مال اليتيم” وأصبح ثغرة تبتلع أكثر من نصف الميزانية باسم الأجور مع انهيار خدماته وتشاؤم مستقبله، لأننا لا نملك أي مشروع للحفاظ عليه وتطويره،
من كان يتخيل أن فسفاط قفصة أو المجمع الكيماوي يصلان مرحلة الاستدانة من الداخل والخارج بدل أن يكونا مصدرا للثروة وبدل أن يتم الاستثمار في مدخرات الجريد من الفسفاط وفي مشاريع التطوير الصناعي والحزام الناقل تحت الأرض وفي الصناعات الكيميائية التي تضاعف قيمة مادة الفسفاط عشرات المرات بدل بيعها خاما؟ أين مشاريع الشراكة مع الهنود والكوريين في المظيلة والصخيرة؟ أي رجل اقتصاد أو سياسة يقبل باستمرار مؤسسات عمومية تدفع أجور آلاف الموظفين دون أي خطة إنتاج أو استدامة؟ باهي، هل ثمة قائد في الطائرة؟