إلى من أشكو ثورةَ نفسي ؟
أحمد نجيب الشابي
يوم الخميس هو اليوم المخصص لزيارة السجين السياسي السيد عصام الشابي حسب التراتيب المعمول بها من قبل إدارة السجن. تقتصر الزيارة على شخصين من العائلة المقربة، مرة واحدة في الأسبوع لمدة ربع ساعة فقط وتتم عبر الهاتف من وراء حاجز بلوري سميك. والى ذلك يتمتع السجناء بحق إضافي في الزيارة بمناسبة الأعياد الدينية.
يتناوب أفراد العائلة المقربة على الزيارة وكان هذا الخميس من نصيبي في الزيارة.
غادرت البيت على الساعة العاشرة صباحا ووصلت سجن المرناقية على الساعة العاشرة وخمس وخمسين دقيقة أين التقيت زوجة شقيقي عصام، السيدة فائزة الراهم، في الخلاء لان الإدارة لا تخصص مأوا لسيارات عائلات السجناء وتوجهنا الى السجن.
كان اليوم حارا حرارة شديدة وكان الاكتظاظ شديدا أيضا، يذكرك بيوم الحشر: مئات العائلات المتلاصقة المتحاكة تنتظر على الطوابير. أخذنا مكاننا في الطابور تحت أشعة الشمس وضللنا ننتظر دورنا لتسليم القفة. بعد ساعة ونصف من التقدم الشديد البطيء، جاء دورنا لتسليم القفة الى الشباك المخصص لقبولها وهممنا بالتوجه بعد ذلك الى قاعة الانتظار لمقابلة قريبنا الموقوف ولكن طلب منا الأعوان العودة مجددا الى آخر الطابور لانتظار دورنا لدخول القاعة. امتثلنا وعدنا الى آخر الطابور وكان الانتظار شديد الطول في نفس الأجواء الخانقة والشديدة الحرارة، بعد ساعة ونصف أخرى تمكنا من دخول قاعة الانتظار التي كان بها مئات من الناس ينتظرون دورهم أيضا. حوالي الساعة الثالثة والنصف ظهرا وصلت أخيرا زوجة شقيقي الى الشباك الثالث لتسجيل اسمينا على قائمة الزوار. فاجأها العون بالرفض لان شقيقي تمتع بزيارة يوم العيد من قبل ابنيه، أجابت لكن زيارة العيد زيارة إضافية أما زيارة الخميس فأسبوعية وهو ما جرت عليه العادة. تمسك العون بالرفض دون تبرير أو تفسير واضطررنا الى الخروج من القاعة بخفي حنين بعد رحلة من الانتظار على الطوابير تحت أشعة الشمس الحارقة بلغت ست ساعات بأكملها. كنت ارتدي قميصا اسود اللون اكتساه البياض بسبب الأملاح التي لفظها الجسم بمفعول الحرارة وأشعة الشمس.
توجهنا الى مكتب “العلاقة بالمواطن” للتظلم” من هذا الموقف المذل، غير الإنساني، والفاقد لكل سند. لكن ورغم كياسة الاستقبال فلا حياة لمن تنادي. فلمن أشكو امري يا ترى، لم يبق لي سوى الرأي العام بعد الله.
ما يحز في النفس ليس طول الانتظار ولا صعوبة التنفس حتى أنك كنت تشعر بان قلبك يكاد يخرج من صدرك ولا هي قلة الاحترام فلا السن مبجل ولا المقام مبجل، لا بسبب المال أو الجاه ولكن سبب الثقافة والأخلاق والسلوك المثالي، ولا يحز في نفسك الظلم المسلط عليك وعلى شقيقك فتلك مسألة أخرى حسابها في حلبة الصراع ضد الاستبداد وإنما ما يحز في النفس هي إهانة المواطن من قبل الإدارة. إدارة تسجن المواطنين بالآلاف ولا تخصص لهم ما يكفي من المكاتب والأعوان للحفاظ على كرامتهم، إدارة لا تحترم التراتيب التي تضعها بنفسها ولا تكلف نفسها عناء إشعار المواطن بالتغيير الذي أدخلته، فلا تصدر بلاغا ولا تلصق مجرد معلقة على الجدران ولا تنبه عن طريق مكبرات الصوت التي تستعملها لحض الناس على الانضباط في الطوابير. إدارة كهذه لا تحترم المواطن، لا يمكنها الادعاء بحب الوطن فحب الوطن سعي وتضحية وليس خطابا أجوفا. وإدارة لا تحترم المواطن إدارة لا تحترم نفسها فهي تنحدر بنفسها من سمو الوظيف الى مستوى العسس المكلف بحراسة الحيوان، واحسب أننا ورثاء حضارة عريقة، حضارة لا-مادية فعلا ولكنها حضارة تقوم على الأخلاق والقيم والمعارف والروح المدنية، حضارة تكرم الإنسان.
تناقلت وسائل الإعلام بان عنبر السيد عصام الشابي (الشمبري) محروم من الماء لليوم التاسع على التوالي، في ظروف الصيف الحار، أردنا التوجه الى مدير السجن لاستجلاء الأمر. اعترض طريقنا عون مسلح ليقول أن اليوم يوم عطلة وان المدير متغيب عن العمل. أجبنا انه ليس المقصود في شخصه وإنما من يقوم مقامه وأوضحنا سبب المقابلة. غادر أحد الأعوان ليستشير ثم عاد ليقول عوادا يوم عمل.. وكأن الظمأ يستريح يوم العطلة…
لمن أشكو إدارة بلدي؟؟ الى السلطة السياسية التي تستعبدنا؟ الى القضاء المقبوض على أنفاسه هو الآخر؟
اشكوها الى أصحاب الهمم والضمائر لينهضوا بأمتهم حتى تحفظ كرامة الانسان، فكيفما تكونوا يولى عليكم ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.