هل أنا بورڨيبي !؟
توفيق رمضان
أوائل الثمانينات كنت طفلا في المدرسة يرى في الزعيم بورڨيبة مثالا لكل شيء جميل ورمزا للقوة والشجاعة والحكمة… لا أحد يضاهي الزعيم أو حتى يقارن به.
لم يكن أبي بورڨيبيا ولا يوسفيا… لا إسلاميا ولا شيوعيا.. ولا أحد من إخوتي… كان أبي تونسيا كادحا لا يهتم لشريط أنباء الثامنة واحيانا يعطي أذنه ويتابع توجيهات السيد الرئيس حتى اذا ذهب الى الحانوت بجد ما يقوله مع الجماعة… كانت اهتماماته مقدار المكس على الشاة في السوڨ… ثمن ويبة الڨمح وويبة الشعبر بعد المندرة.. وويبة الزيتون في الشتاء… ثمن المحراث الجموسي في أول الخريف… ثمن الجلم ليستعد لجز النعاج أخر الربيع وأول الصيف… لكن كان كسائر أهل قريتي الذين يرون في الزعيم الرجل الأوحد في البلد… المجاهد الأكبر والشخص الخارق الذي هزم فرنسا وحرر الأرض.. كان عندهم بمرتبة النبي إن لم نقل إلاها.
وصلتني هذه الصورة عن الزعيم وطبعت في ذهنيتي.. لما كنت العب مع الأولاد وحين أسدد الكرة وأسجل هدفا… أقول «الشوطة هذي حتى بورقيبة ما يشدهاش» ولا باس إن أعلي من نفسي وأقول «ملا شوطة.. بالحرام حتى بورقيبة لا يشوطها»… لما كنت أذهب الى الحانوت ركضا تعجبني سرعتي فأقول بيني وبين نفسي «حتى بورقيبة ما ينجمش يخلط علي»… التين الشوكي يحيط بالحقول وعلى جنبات المسارب وكلما رأيت «صفة هندي» ضخمة أقول «الطابية هذي ما ينڨزها كان بورقيبة»…
اذكر يوم خرجت أمام حوشنا اغني «بورقيبة يا حنين رد الخبزة بثمانين»… أردد ما سمعت… الأشرار زادوا في ثمن الخبزة دون علم الزعيم… لكنه عالج الخطيئة وأعاد الأمر كما كان.. وقال قولته الشهيرة «نرجعو وين كنا».
لا أعلم لماذا أقول هذا الكلام… ربما النقاش الذي جمعني اليوم في المقهى مع صديق حول الزعامة في امتنا وبلدنا.