زياد الهاني.. بات ليلة في السجن وخرج..
نور الدين الغيلوفي
كأنّه دخل بإذنه ليرى، وخرج بأمره ليقول ما رأى.
قال إنّه فخور، ومردُّ فخره ما رآه من حسن ضيافة في مقرَّي الإيقاف بين العوينة وبو شوشة.
زياد الشاهد قال أمرين لافتين:
الأوّل: إنّه شبع نوما، كما لم يشبع من زمان، شأن الكبار الذين يشغلهم الهمّ العام فيسهرون جرّاه ويختصمون. ولمّا أُودع السجن نام قرير العين، لأنّه عرف من سجنه كيف يطمئنّ على الرعيّة فينام ملء جفونه عن شواردها.
الثاني: إنّ الاستقبال من قبل رجال الأمن كان راقيا، وكانت الإقامة شبيهة بنزل فخم يغرق نزلاؤه في النعيم المقيم بين الجدران.. وحتّى التكييف في معتقَل بوشوشة، حسب رواية زياد، بلغ من البرد مدى بعيدا أوشك أن ينقلب إلى ضدّه.. الممرّ ذاتُه، حسب زياد، بارد جدّا.. حرصا على تناسب درجات الحرارة عند دخول النزلاء إلى الزنازين وعند خروجهم منها.
كأنّ زياد، بشهادته اللافتة، يقول للشعب:
أيّها الشعب،
من ضاقت به الحرية وعَصَرَهُ فقرُها فليرتكب ما لأجله يدخل السجن حيث السعة والسعادة والرخاء.
لم يقنعني زياد الهاني يوما،
ولم أرَ فيه غير شخصٍ عيي دعيّ لا يحسن فكرا ولا يتقن تعبيرا.
إن لم يشهد غير ُزياد بشهادته، سنظلّ نرتاب في شهادته اليتيمة، ونقول:
يبدو أنّ السلطة لها طيّات من الجنود، ظاهرين وأخفياء.