أذكى إنسان عرفته لم يتجاوز الخامسة إبتدائي
عبد القادر الونيسي
في خضم الإمتحانات وحرص الأولياء على تفوق أبنائهم يظن الناس أن الناجحين هم أذكى الأذكياء.
الحقيقة الناجحون هم الذين يستجيبون لمقاييس معدل الذكاء المتوافق عليه مع إغفال طائفة هي أذكى من الذكاء المتعارف عليه وعادة ما يلقي بهم النظام التعليمي على قارعة الطريق لأنهم أذكى منه ولا يملك أطرا قادرة على تأهيلهم.
أصحاب الذكاء المفرط يصيبهم الملل من طرق التعليم لأنهم يستوعبون بسرعة خارقة وعادة ما يجدون أنفسهم خارج أطر التعلم وينهون حياتهم مع المهمشين والمتسكعين في شوارع المدن.
أول من تفطن لهذا النوع الخارق هم الأمريكان سنة 1930 وبدأوا في إستيعاب عدد منهم بإمكانيات لا يقدرون عليها إلا هم.
على سبيل المثال الفرنسيس مازالوا متخلفين جداً في هذا المجال.
صاحبنا الخارق إسمه ناصر نسكن نفس الحي. لا يبدو عليه ما يفيد ذكاءا خارقا. ضعيف البنية، قصير القامة، قليل الكلام.
يعيش مع أمه وأختيه بعد فقد والده.
رسب مرات عديدة في الأقسام الأولى حتى أدركته وكان أكبر مني سنا.
هذا الطفل صنع لنا صورا متحركة من ورق كراس المحفوظات papier glacé ولا أدري كيف كان يحركها على الحائط أمام دهشتنا.
صنع قطارات وعربات مدهشة من “حكك الطماطم” وصنع trottinette كان يتجول بها وأشياء أخرى عجيبة.
إبداعه الأكبر هو يوم أعلمنا عزمه على إطلاق صاروخ من فوق سطح منزلهم.
صنع صاروخا برأس وذيل من قطع من “الطولة” جمعها من هنا وهناك وربما إستعان بحداد لكنه هو صاحب هندسة شكله.
جاء اليوم الموعود وصعد بعضنا إلى السطح لمشاهدة عملية إطلاق صاروخ ناصر 1.
كان الصاروخ على أهبة الإنطلاق وقد إستوى فوق قصعة كبيرة مملوءة بالكربيل.
كان الكربيل يغلي داخل القصعة بعد أن صب عليه الماء ثم أضاف عليه مواد أخرى ثم دعا الجميع أن يبتعد ليتقدم نحو القصعة ويلقي فيه “عود وقيد” صدر بعده دوي إنفجار لينطلق الصاروخ الذي لم يعثر له على أثر بعد ذلك في أرجاء المكان.
في أواخر السبعينات قام طلبة المدرسة الوطنية للمهندسين Enit نخبة الذكاء الهندسي بتجربة مماثلة مع أساتذتهم الروس بعد شراء محرك للغرض من فرنسا وأطلقوا صاروخهم الذي حلق ثواني معدودة وسقط أرضا وصاروخ الناصر لم نجد إلى يوم الناس هذا دليلا على سقوطه.
أما ناصر فقد إنتهى متسكعا في شوارع باريس التي هاجر إليها حتى وافاه الأجل رحمه الله.