في مأزق سلطة الانقلاب
سمير ساسي
مسلمة “هذه السلطة جيء بها للقضاء على الثورة وقد غرها تشتت المعارضة وتوزان القوة بين الفاعلين الدوليين وطموح بعض رؤوسها فتوهمت أنها قد تنجز خرقا في التاريخ ويستقر لها الأمر”
قال قيس سعيد في اتصال مع ماكرون أن شروط صندوق النقد هي بمثابة وضع عود ثقاب قرب مواد شديدة الإنفجار.
هذا توصيف دقيق لكنه قديم فالجميع يعرف انه منذ نشأة الصندوق ما حل ببلد إلا انفجر والمشكل ليست في الإدراك بل في تبعات هذا الإدراك هل يملك النظام بديلا لهذا الخيار.
من حيث العموم ثمة معضلة في تونس وربما في دول فقيرة كثيرة أنها لا تفكر خارج الصندوق وكل الحكومات التي مرت منذ نشأة الدولة التونسية فكرت ومارست بوعي أو من دون وعي في اتجاه السقوط في براثن الصندوق وقد سمعنا بعد الثورة جعجعة كثيرة عن منوال التنمية الخ خلفت لنا طحينا كثيرا افرز لنا هذا الوضع.
أما ما يخص سلطة الانقلاب فهي تدرك وتتوهم، تدرك خطورة الاستجابة لشروط الصندوق وليست هذه ميزة لكنها تتوهم أنها تعمل على تجنبها وفي الواقع هي تقوم بعملية تأجيل الإعلان الرسمي وتتوهم أن تنزيل إجراءات الصندوق بتفتيتها قد يمنع عود الثقاب من الاشتعال وهي لم تفعل سوى أنها فرقت المواد المتفجرة على أماكن متعددة. وتركت عود الثقاب في مكانه وفي أحسن الحالات سيكون هناك إنفجار غير عالي الصوت بحكم توزعه لكنه شديد الفعالية.
السلطة الآن وبلغة دارجة “تقرقش” في الحلول اتفاق مع نقابات قرض إفريقي زيادة أداءات إخفاء لبعض المواد الخ وأخطر هذه المحاولات سعيها نيل مساعدة خارجية دون شروط الصندوق ومكالمة سعيد مع ماكرون تأتي في هذا السياق قبلها تحدث الى رئيسة الحكومة الإيطالية ووزير خارجيته يقوم بمجهود مضني للإقناع بذلك لكن دون جدوى لأن الفاعل الخارجي يدرك حقيقة أزمة السلطة التي فوتت على نفسها شروط التحصين الداخلي وبعض هؤلاء الفاعلين جاء لهذه السلطة بهذا العرض أو هو يحميها لأجل هذا الغرض.
واللافت في هذه الاتصالات قيامها على موضوع الهجرة وهي محاولة متأخرة لم تحسن استغلال هذه الورقة في الوقت المناسب وشروط استغلالها على الطريقة التركية غائبة والأوروبيون يدركون ذلك وحتى فرصة أن يمنحوا تونس دور الشرطي بشكل محترم من خلال مؤتمر دولي مثلما تسعى إليه سلطة الانقلاب هذه الفرصة غير مطروحة عند الأوروبيين فهم يسمعون ويبتزون وقد يمنحونه فتاتا إن قام بالدور دون تكليف مثلما فعلت إيطاليا.
هل هذا يعني نهاية الانقلاب، حتما ليس الأمر بهذه البساطة وبلا شك فانه ما لم تتسارع شروط أخرى مطلوبة لحدوث التغيير كوحدة المعارضة وتغيير خطابها وفعالية تحركاتها فليس هناك غير انتظار الإنفجار الاجتماعي وهو وضع لا يمكن لاحد أن يجيره افتراضيا لفائدته لأن من احتمالاته الفتح على المجهول وسقوط السلطة الحالية وتدمير المجتمع السياسي وظهور سلطة أسوأ بكثير وقيام سلطة أفضل بكثير وهي كلها احتمالات متساوية رجحان احدها مرتهن بعامل الاستعداد الداخلي وغفلة أو يقظة المتربصين من الفواعل الخارجية.
السلطة في مأزق حقيقي أشبهه بوضع الغريق سبيل نجاتها الممكن الوحيد بما أنها جاءت عبر إنقلاب من داخل الدستور دعوتها لانتخابات مبكرة شفافة واستقالة الحكومة وحوار وطني حقيقي لكن هذا حل نظري بسبب طبيعة القائمين على السلطة والذين مازال لديهم هامش توظيف الشعبوية الى حين.
المعارضة مازال الحديث عنها غير ذي جدوى فهي اللاعب غير المحدد في مصير المباراة قد يقع إقحامها اضطرارا في حال استنفاد الفاعل الرئيس حقه في التغيير بلغة الكرة.
الفاعل الدولي إلى حد هذه اللحظة راض بإدارة اللعبة بين أفراده.
لكن قوانين الاجتماع البشري ليست ميكانيكية وقوانين السياسة أيضا فتسريع تصفية الحضور الروسي الصيني في المنطقة الذي تسعى إليه أمريكا بعد التطورات الأخيرة قد يقلب المعادلة.
وهذا بلد ينطبق عليه مثل النعجة التي سعت لحتفها بظلفها.