اعتراف.. إحساسي بالرعب من التجربة التركية الأردوغانية
شاكر الحوكي
بقدر ما يتملّكني الإحساس بالعجز عن إخفاء شعوري بالرعب من التجربة التركية في صيغتها الأردوغانيّة، أجدني مكرها على البوح بحزني وألمي من نتائج انتخاباتها الأخيرة التي جعلت تركيا بأسرها تحت رحمة “أردوغان”…
وإذ كنت لا أرى لهذا الرّجل من شيء هو حقيق به غير “الحقد” و”البغض” و”العداوة” و”العداء”، فذلك لأنه لا يكف عن التوسع على حساب فرنسا (“أمّنا العكري” كما سمّاها لنا آباؤنا وأجدادنا) ولا ينقطع البتّة عن قضم مناطق نفوذها القديم بما يَضطرّها إلى التراجع وينذر باندثارها..رجب طيب أردوغان
فمصانع سيّاراته وطيّاراته وصناعاته الحربيّة المتطوّرة باتت قدرتها التنافسية العالية تهدّد مصالح فرنسا رأسا وتضعف من تأثيرها لا في المنطقة فقط بل أيضا في بلادنا على وجه أخصّ، مما يدفع التونسيّين إلى تحويل وجوههم عن قِبلتها إلى تجارب أخرى مغايرة !؟
فمن لنا بعد فرنسا.. وقد صرنا من بقيّة أبنائها وجزءا لا يتجزّأ من عالمها: ينالنا ما تناله من خير أو شرّ، ويصيبنا ما يصيبها من فرح أو حزن ! أليس نحن الذين نفديها بدمائنا، ونشعل الشموع لأجل كنائسها متى احترقت، ونرفع المظلّة هنا كلّما أمطرت هناك..
ثم الم يكفه، بعد أن تطاول على القيادات العسكرية فزّجّ بها في غياهب السجون منذ فشل “انتفاضة” 2016، وتجرّأ على “الحرّيات” فـ”قمع الصحفيين والإعلاميين، إن أقدم على إرساء “منظومة سياسية جديدة” فقطع نهائيا كلّ صلة لها بشبكات “منظومة الدولة العميقة” وأمّنها كما يجب من الاختراقات الأجنبية والتمويل الخارجيّ، وجعلها تحظى بتأييد أغلبية الشعب التركي على الرغم من تداعيات الأزمة المالية والضائقة الاقتصادية..
على أنّ أمّ المصائب التي اقترفها هذا الرجل البغيض تبقى في إصراره الدّؤوب على “أسلمة” المجتمع التركيّ: لا فقط من خلال تشجيعه على ارتداء الحجاب حتى فرضه على زوجته ليجعل منها النموذج المثالي للمرأة التركية، بل أيضا لأنه احترف التجارة بالدين سواء عبر حشو خطاباته بالشواهد القرآنية والحديثيّة والمأثورات الدينيّة أو عبر بناء المساجد ونشر الكتاتيب القرآنية في كل مكان، بما هدّد وحدة الشعب التّركيّ وأفضى إلى تقسيمه على أسس أخلاقية ودينية جعلته رغم أنفه بين خياريْن لا ثالث لهما: إما الاصطفاف إلى جانب العائلة واستقرارها مع ما ينجرّ عن ذلك من وقوف في وجه التطوّر والتقدّم، وإمّا الاصطفاف إلى جانب الزواج المِثْليّ وحماية الحياة الشخصية مع كل ما ينجرّ عن ذلك من تفكك عائلي ومجتمعي. فلْنتخيّلْ عندئذ لو امتدّ هذا الجدل إلى الساحة التونسيّة وتحوّل الأمر إلى موضوع خلافيّ بين الأحزاب السياسية في تونس، ألا يجعل ذلك كل الشعب التونسي خصما لدودا “للتقدميين” و”الحداثيين” وقد يهدّدهم حتّى في وجودهم !؟
وغير بعيد عن خطّ “الأسلمة” هذا، ما صنعه بكنيسة “أيا صوفيا”. لقد أعادها الى هيئتها الأولى زمن العثمانيين: مجرّد “جامع” يحتشد فيه المنغلقون والمتزمتون من السّلفيّين وغيرهم، بدل أن تبقى متحفا للإنسانية ومزارا لشعوب الغرب المتحضر يستذكرون فيها أمجادهم المتخيلة. وهذا عدا عن دعمه الصّريح “للإرهاب الفلسطينيّ” في غزة ومحاولته كسر الحصار عن أهلها بإرسال سفينة “مرمرة” إليهم.
أمّا الطامّة الكبرى التي يسعى “أردوغان” حثيثا إلى أن يزلزل بها المنطقة زلزالها، فتبقى محاولته نفخ الروح في جسم “الإسلام السياسيّ” حتى ينسج على المنوال التّركيّ في تعزيز الخطّ الرّجعيّ السائد في أمّة العرب والمسلمين وفي تجديد إيمانها بإمكانيّاتها الواعدة في النهوض والانطلاق.
وأخيرا فلْيعذرْني أصدقائي جميعا، إن وجدوا صراحتي ثقيلة على نفوسهم بعض الشّيء؛ فأنا لا أحب الدفاع عن أفكاري إلا بوجه مكشوف.. وها أنا ذا قد بحت لكم يا أصدقائي بالحقيقة.. فإيّاكم والأراجيفَ..