اتحاد الشغل ملك للقواعد أم ملك لجنرالاته
عبد اللطيف علوي
اسمحوا لي أن أشارككم برأي في مسألة الجدل الّذي أثير حول دعوات الانسلاخ من الاتّحاد.
البعض يقف ضدّ فكرة الانسلاخ لأنّه يرى أنّ الاتّحاد “ملك القواعد” بل هو “ملك الشّعب التّونسيّ بأسره!” (مانعرفش منين جابوها هذي!) وليس ملك زمرة الشّبّيحة المتنفّذة ويجب الدّفاع عنه واسترجاعه وتحريره ومثل ذلك الكلام!
أوّلا: القول بأنّ هذا الاتّحاد بالذّات هو ملك للقواعد كلام فارغ! الاتّحاد هذا في النّهاية، منذ الاستقلال إلى اليوم، هو ملك لجنرالاته، لمن يستعمله، لمن يقرّر أجنداته وعقيدته، وما القواعد إلاّ “ضرع” للحليب، أو حطب للشّعول.
ثانيا: فكرة القداسة والأبديّة والخلود الّتي يريد البعض أن يسبغها على بعض النّاس أو على الأحزاب أو على المنظّمات هي فكرة عبوديّة كريهة. لم يكتب اللّه الخلود إلاّ لنفسه، وبالتّالي حتّى الأحزاب والمنظّمات لها عمر افتراضيّ يتحدّد بطبيعة المرحلة التّاريخيّة ودورها وقدرتها على التّجدّد والتّأقلم، ومن لا يتأقلم مع استحقاقات كلّ مرحلة يندثر، أو يصبح عائقا كبيرا في طريق تطوّر البلاد وتحرّرها!
الأحزاب والمنظّمات مثل كلّ شيء، تولد وتنشأ وتكبر وتشيخ وتمرض وتموت وتدفن وينبت على قبرها الصّبّار، ولا تبدأ الحياة معها ولا تنتهي الدّنيا بموتها، وبالتّالي ليس كفرا أن نقول إنّ هذا “الاتّحاد”، بشكله الحاليّ وبما وصل إليه، قد استوفى كلّ أسباب وجوده وبقائه.
ثالثا: كلّ من يعتقد بإمكانيّة التّغيير من داخل الاتّحاد، هو إمّا واهم مخدوع أو أنّه يغالط نفسه ويغالط الاخرين.
هذه الكيانات المنغلقة تتحوّل إلى مستعمرات تحكمها أوليغارشيا ولها امتيازات ومصالح تحارب من أجلها بكلّ الوسائل، وهي التي تضع اللّوائح وتغيّر قواعد اللّعبة باستمرار من أجل تصفية كلّ خصومها وسدّ أبواب الدّخول أو التّرقّي إلى الهياكل الوسطى أو العليا الّتي تقرّر وترسم السّياسات، وكلّما صعدت درجة كلّما ضيّقوا في ثقوب المصفاة حتّى لا يمرّ إلاّ من يمثّلهم، الباقي عسكر زوارة لا أكثر ولا أقلّ!
رابعا: وضعيّة الاتّحاد ووضعيّة الإعلام تقريبا هي نفسها، كلاهما مختطف من طرف لوبيّات ايديولوجيّة متحجّرة! وأكبر غلطة لحكومات الثّورة أنّها راهنت على إصلاح إعلام بن علي القائم على عقيدة الاستبداد والكذب والتّزوير والتّجهيل والتّحريض، في حين أنّه كان ميؤوسا من إصلاحه، وكان من المفروض أن تتركه جانبا حتّى يندثر حين يعجز عن التّأقلم مع الدّيموقراطيّة، وتبني إلى جانبه إعلام الثّورة الحرّ البديل!
هذا الخطأ كلّفنا الفاتورة الّتي تعرفونها!
وكذلك اعتقاد النّاس بأنّ الاتّحاد هو قدر هذه البلاد وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، رغم يقينهم بأنّه صار ماكينة ضخمة للهدم والتّخريب واستدامة شروط التٌخلّف والاستبداد، هو اعتقاد مرضيّ يجعل الحياة تفنى بفنائه، وهذا جزء من البروباغندا الّتي خلقت لنا أوهام وأساطير “خيمة التّوانسة الكلّ” و” أكبر قوّة في البلاد” “واتّحاد حشّاد” ومثل تلك الشّعارات المضلّلة.
هذا اتّحاد جراد وليس اتّحاد حشّاد!
حشّاد استشهد رحمه اللّه وخلف من بعده خلف لعبوا بـ “البيضة والحجره” وأدركوا قوانين السّوق ولعبوا عليها وبرعوا فيها وأصبح الحديث عن اتّحاد حشّاد مجرّد غباء نوستالجيك أو دعاية ستالينيّة مقرفة ومضحكة في نفس الوقت!
عندما يتحوّل أيّ حزب أو منظّمة إلى كيان متحجّر، أو آلة تدمير للدّولة أو للدّيموقراطيّة، يصبح التّفكير في إصلاحه ضربا من العبث، ويصبح الوقت الّذي سيستغرقه هذا الإصلاح، إن أمكن أصلا، مضيعة من عمر الوطن ونزيفا حتّى الموت.