لم تكن لي أحلام كبيرة أيام صباي
توفيق رمضان
ربما حلمت بأن اكبر فقط لأذهب الى السوق بمفردي… أو لأسهر الى أخر الليل في الأعراس… لألعب الشكبة والرامي في المقهى… ربما حلمت أن أتعلم قيادة الدراجة… أن اصبح قادرا على استعمال «الجلم» لجز النعاج… إن امسك المحراث خلف البغلة… أن اصبح ماهرا في الذبح مثل أبي… لم أحلم بالسفر أو امتلاك سيارة أو منزل فخم…
اليوم وأنا في هذا العمر أجدني غير بعيد عن أحلام الصبا… أصارع من اجل بناء بيت، نعم… لكني احلم بكوخ صغير في دوّار منسي بعيد عن الدولة، عن شاشات التلفزيون وبالكاد تصله تغطية أمواج الإذاعة لساعة أو ساعتين في اليوم… أما الأنترانت فهي لا تلامسه.
أمام الكوخ ترى حصانا، كريطة، بقرة، نعجتين، عنزتين، دجاجات، كلب وقطة… كوما أو اثنين من التبن.. البندقية معلقة بجانب الباب.. أما الفنار فمعلق في وسط سقف الكوخ…
حانوت الدوار لا اقصده إلا لشراء لترا أو اثنين من الڨاز… فأنسى نفسي وأتحلق للعب الخربڨة والشكبة. مع الرجال… عند هطول المطر نذبح فيه خروفا أو ثورا فرحا واستبشارا بعام خير…
احلم بدوار لا يهتم أهله بالسياسة ولا يعرفون شيئا عن الفايس بوك وجمهوريات الإنستغرام وممالك التيك توك… لا يسمعون الكرانكة والمحللين… لم تغمس أصابعهم في حبر الانتخاب ولا ينتظرون نتائج الاقتراع… لا يهتمون لخطب الرئيس ولا الوقفات الاحتجاجية لمعارضيه… لا تقلقهم الإضرابات ولا المسيرات…
احلم بدوار لا يسال أهله عن نتائج مباريات كرة القدم وتنقلات اللاعبين… لا يحفظون الأغاني ولا وجوه الفنانين… بعيدون جدا عن المهرجانات… غير مشغولين بنتائج الأبناء في المدرسة ولا يفكرون في الدروس الخصوصية… لا يراجعون الدروس مع أطفالهم.. بل لا يعلم الواحد منهم في أي قسم يدرس ابنه… رحم الله أبي.. كان كذلك.
يوم السوق أعود بالكريطة محملة بما لذ وطاب… خضر وغلال وحلوى وبشكوطو للأطفال… غربال ومنفضة أوصتني عليهما أم العيال… قراطيس من اللوبان، الحناء، السواك والبخور….
في المساء نلتقي أمام الحانوت لنتحدث عن أسعار الماشية، عن ثمن الأعلاف والبذور… ثم نصلي المغرب تحت الزيتونة المقابلة للحانوت ويعود كل منا الى كوخه… ليتحلق مع الأطفال والزوجة حول جفنة الكسكسي.. نصلي العشاء وننام.