علي بن مكشر
الكل يعلم أن العقيدة السياسية للشيخ راشد الغنوشي تدور حول الديمقراطية وعلاقتها بالحراك السياسي للمسلمين، وكان بيان التأسيس لحركة الإتجاه الإسلامي في 6 جوان 1981 قد نص على تبني الديمقراطية كمنهج للحكم والتغيير، تبينا نهائيا لا رجعة فيه، وهو ما أحدث هزة فكرية داخل التيار الإسلامي في العالم العربي عموماً وتجاوزه إلى الباكستان وكثير من مناطق العالم الإسلامي.
لهذا السبب بالذات، تم تكفيره من جميع التيارات السلفية الجهادية، واعتبروه (طاغوتا) مرتدا وجب قتله. والفيديوهات التي تهدده مباشرة من تونس وخارجها أكثر من أن تحصى. لذلك يبدوا ربطه بالفكر التكفيري لأنه لفظ كلمة طاغوت، أشبه بالنكتة في عالم العقلاء، خاصة وأنه أثناء التحقيق فسر ما يفهمه من ذلك اللفظ القرآني وهو (الإجحاف في الظلم)، وكانت الكلمة التي قالها في تأبين أحد رفاقه (كان لا يخاف الحاكم ولا الفقر ولا الطاغوت).
ماهي جريمة الغنوشي إذن مع تهافت هذه التهمة وغيرها بعد أن حققوا معه أكثر من مائة وخمسين ساعة، دون العثور على جريمة مادية تدينه ؟
الجريمة الحقيقية للشيخ الغنوشي هي نجاحه النسبي في مصالحة الفكر الإسلامي المعاصر مع الحداثة السياسية، وهو خرق في التاريخ له ما بعده.
والجريمة الثانية، هي فقه التحولات عبر ما سماه بسياسة التوافق، تحت مظلة الدستور الجامع الذي شارك فيه كل التونسيين باختلاف مشاربهم، كلمة، كلمة، وسطرا سطرا.
لقد كانت سياسة التوافق التي تبناها هي أكبر صد لاختراق الثورة المضادة، من خلال الشرخ الوطني لو ذهب إلى العكس وهو سياسة الصدام.
التوافق في المراحل الانتقالية، هو الوسيلة الوحيدة الآمنة لتجنب خسائر مدمرة في الوطن، لذلك أتعبهم الغنوشي، والآن يحاولون الانتقام منه بأية طريقة ممكنة.
إنهم الآن يحاكمونه من أجل تصريح، ولسان حالهم يقول: أوقفوا هذا العقل عن التفكير.