كمال الشارني
السماح خيانة، لأن قلوبنا ليست البحر: على ذكر البوليسية والقضاء:
شوف، قلوبنا ليست بحرا والخواطر ضايقة وإذا أتيح لنا أن نرى تونس من السماء، فسوف نرى أدعية الشر ضد الظلم تطلع إلى الله مع النفس، أشياء كثيرة في حياتي لم أنسها ولن، وسآخذها في ملفي إلى الله:
قاضي التحقيق الذي حملني إليه البوليسية وحذائي بلا خيطين “شلق شلق” بالدم بسبب الفلقة في مدرج محكمة الكاف الساعة الخامسة من مساء يوم 17 جانفي 1984، وأنا في التاسعة عشر وشوية من العمر، بسبب مظاهرة في معهد تاجروين عام الباكالوريا منفيا من أهلي، نزعت إحدى فردتي الحذاء (كان حذاء من فرنسا لصديقي محمد النموشي لبسته في مبيت المعهد على عجل عند إيقافي في الساعة الحادية عشر ليلا) لأريه أثر التعذيب فصرخ فيّ : “لمّ عليّ خراك، يكذبوا عليك البوليسية؟”، قدم لي كاتبه ورقة بيضاء آمرا: “أكتب فيها كل ما تريد: أقسم بالله العظيم، وراس أمه، وراس بابا، يهلكني ربي، بالله العظيم…، أكتبها كلها في هذه الورقة لكي لا تعيدها علينا”، وختم قاضي التحقيق: “حاجة من اثنين: إما أن تعيد عليّ اعترافاتك في مركز الشرطة، وإما أن أرسلك إلى عبد ربه؟ تعرفه؟ هو يعرفك، أيا برا فكر في أمرك الليلة في مركز الشرطة وسيعيدونك إليّ غدا”، الشرطي الذي حمل إليّ في غرفة الإيقاف في مركز بن عنين ما عثر عليه أبي رحمه الله عشاء لي في مطعم قريب: لوبيا بلحم البقر، كان عون الأمن ما يزال يمضغ اللحمة ويتلمظها حين ناولني بقية الصحن مع نصف خبزة ملوثة بالصوص،
رئيس الدائرة الجنائية الذي، “دق نفة” قوية في كشخته الزرقاء من علبته المدورة المزركشة بعد زوال يوم الرابع عشر من جويلية 1984 وأعادها إلى مكان حصين قرب قلبه تحت جبة القضاء السوداء، تأملني بعين الثعبان، قال دون أية مشاعر: خمس سنوات سجنا، نصف عام سجنا مع ضم العقوبتين إلى بعضهما،
السماح خيانة، قلبي ليس البحر،