بعيدا عن نتائجها… شراسة الانتخابات تزكية لأردوغان
إحسان الفقيه
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، الانتخابات الأكثر أهمية في العالم هذا العام، هكذا وصفتها وسائل إعلام غربية، إذ ينظر الغرب إليها على أنها محطة فارقة في مسيرة تركيا إزاء علاقتها بالغرب. أُسطّر هذه الكلمات قبل ساعات من توجه الناخبين الأتراك إلى لجان الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وفي الوقت الذي سيطالعها القارئ ستكون النتائج غير النهائية قد أُعلن عنها في وسائل الإعلام. لكن بعيدا عما ستؤول إليه نتائج هذا الماراثون الانتخابي، فإن هذه الانتخابات بشراستها واحتدام الصراع فيها وسياقها العام، تكتب شهادة تزكية لنظام أردوغان، في شأن الحريات السياسية والحزبية.
لعلنا طالعنا في الآونة الأخيرة، تلك الحملة الشرسة التي شنتها وسائل الإعلام الغربية على أردوغان، ضاربة بالحيادية والموضوعية عرض الحائط، منتهكة أبرز الأعراف المهنية. على سبيل المثال اتهمت مجلة «إيكونوميست» البريطانية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالديكتاتورية، وعملت على تأليب الأتراك عليه إذ كتبت: «يجب أن يرحل أردوغان، احموا الديمقراطية». وبدورها شبهت مجلة «ليكسبرس» الفرنسية الرئيس أردوغان بالرئيس الروسي بوتين في الاستبداد، فعنونت لأحد المقالات «أردوغان – بوتين، ميثاق الحكام المستبدين».
وعلى هذا النهج في الطعن بأردوغان وإظهاره بمظهر المستبد، سارت وسائل إعلام عالمية مرموقة بما فيها «بي بي سي»، «فورين بوليسي»، «لوموند»، «واشنطن بوست»، و «فاينانشال تايمز».
الديكتاتورية والاستبداد، تهمة لطالما لاحقت أردوغان ونظامه، حتى من لدُن وسائل الإعلام العربية، في دولٍ تتمنى شعوبها المقهورة المحكومة بالحديد والنار، أن تجرى فيها انتخابات على هذا النحو الذي يجري في تركيا، لكن كما أسلفت، أجواء الانتخابات ومسارها التحضيري، يكتب شهادة تزكية لأردوغان، وتبرئة لساحته من هذه التهمة التي يروج لها الغرب وبعض أذنابهم لإسقاطه. عندما نتحدث عن شأن الانتخابات التركية في حقبة أردوغان وحزبه، ستتجه أنظارنا ـ نحن العرب – إلى صراع الـ(50%+1)، فليست من نوعية الانتخابات التي يفوز بها الرئيس المعظّم بنسبة 95%، أو يزيد، ولا تقترب من نسبة 100% ، فقط من أجل إضافة (ديكور ديمقراطي). الانتخابات في عهد أردوغان لا تستطيع أن تتهكن فيها بشيء، وهناك نتائج استطلاعات متضادة داخل تركيا، بعضها لصالح أردوغان، وبعضها لصالح منافسه الأبرز زعيم الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، فيما تمارس الجهات القائمة على هذه الاستطلاعات عملها بأريحية، من دون ضغط من الحكومة بالتزام إعلان النتائج المؤيدة للرئيس الحالي وحزب العدالة والتنمية. لم نسمع أو نرى أن الرئيس أردوغان، اعتقل أحدا من مرشحي الرئاسة، أو لفّق لهم قضايا تُعد مانعا دستوريا من ترشّحهم على غرار ما يحدث في بعض الدول العربية، ثم إن المرء ليعجب من تهمة الديكتاتورية التي يُرمى بها أردوغان، مع هذا الكم الهائل من الهجوم عليه من قبل أحزاب وقادة وإعلام المعارضة، ينتقدون بشكل علني سياسات أردوغان، ويوجهون إليه اتهامات مباشرة، سواء في الملف الاقتصادي، أو في ملف السياسات الخارجية، وينالون منه في تصريحاتهم، من دون أن يعمد هو إلى اتخاذ أية إجراءات تعسفية أو قمعية ضدهم، بل يمارس حقه القانوني كأي مواطن، ويتقدم بدعاوى قضائية إلى القضاء التركي ضد من يتطاول عليه، ليأخذ حقه بالقانون، على غرار ما فعل مع زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنر، عندما شبهته في أحد تصريحاتها برئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو. لو كان أردوغان ديكتاتورا مستبدا لوضع العراقيل أمام هذه التحالفات والتكتلات السياسية، التي تكاد تعصف بعرشه، ولغدر بأصدقاء الأمس الذي صاروا له اليوم خصوما وتحزبوا ضده، كأحمد داود أوغلو. لو كان أردوغان ديكتاتورا مستبدا، لما انحازت إليه وأيدته شريحة ليست هينة من الأكراد، منها حزب «هدى بار»، الذي هو جزء من تحالف الجمهور – الذي يضم أحزابا على رأسها العدالة والتنمية ومرشحه في انتخابات الرئاسة هو أردوغان – ومقابل ذلك، فإن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي يدعم زعيم المعارضة كليتشدار أوغلو تحت مسمى جديد، وهو حزب اليسار الأخضر. أضف إلى هذا، ورغم تفاهمات كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، إلا أن هناك شخصيات قومية بارزة في تحالف الأمة، الذي يقوده كليتشدار أوغلو، تقف موقفا متشددا في نظرتها للأكراد، إلى درجة أن زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار، ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش (من التيار القومي) قد تغيبا عن حضور فعاليات للتحالف في ولاية فان ذات الأغلبية التركية الواقعة في شرق تركيا.
لكن بالنظر إلى الجهة المقابلة (تحالف الجمهور)، فعلى الرغم من وجود أحزاب قومية في التحالف الذي يقوده العدالة والتنمية، إلا أن نظرتها القومية تجاه الأكراد لم تؤثر في مسار التحالف في التلاقي مع الأكراد والتأكيد على مزيد من العمل لحل نهائي للمشكلة الكردية، بعد أن أصبح في التحالف حزب كردي «هدى بار» الذي قد يمثل للأكراد بديلا ملائما لحل مشكلاتهم. لا ندري كيف يستحق أردوغان وصف الديكتاتور وهو الذي سلّم بخسارته بلديات أنقرة وإزمير وإسطنبول، في الاستحقاقات السابقة، رغم أنها أهم ثلاث بلديات في تركيا! التحول إلى النظام الرئاسي الذي كان يسعى إليه أردوغان، لم يتحقق بالجبر والعسف والتسلّط، وإنما تم من خلال التصويت من قِبل الشعب، وأغلبية الشعب قد اختارت، ثم مع ذلك يوصف بأنه ديكتاتور غيّر دستور البلاد. أردوغان لا شك يخطئ ويصيب، وله مثالبه وأخطاؤه، إلا أنها لا ترقى إلى اتهامه بالاستبداد والديكتاتورية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.