عيد العمال والنقابات… واحدة من تلك المسرحيات
عبد الإله شفيشو
لست مهتما في البحث عن جذور اليوم العالمي للعمال 01 ماي فعلى أي حال عيد العمال هو من تراث أيام الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي لقد كان تعبيرا عن تنافس المعسكرين في تدليل العمال ومنحهم حقوقهم، بعيدا عن الفضاء الغربي وهامشه الشاسع للحريات يلاحظ أن نطاق الاحتفال بهذه المناسبة قد توسع ليشمل بلدانا انفتحت مؤخرا على التجربة الديمقراطية في آسيا وأميركا الجنوبية وحتى في أفريقيا ووحده العالم العربي بشكل عام والمغرب بشكل خاص ماعدا بعض الاستثناءات القليلة يكاد يشذ عن هذا التطور العام لأسباب تصب في النهاية في إشكالية العلاقة بين مؤسسة الدولة ومن يمثلها من جهة والمجتمع من جهة ثانية إذ الحديث عن العمل والعمال ينتهي حتما إلى إثارة قضايا مازالت تعد شديدة الحساسية مثل مفهوم المواطنة والوطن وحقوق الإنسان.
إن معاناة المواطن المغربي مع العمل تبدأ حتى قبل انخراطه الفعلي داخل المؤسسة لأن غياب ثقافة الحقوق في ظل دولة لا تربطها مع مجتمعها سوى علاقة الإكراه تجعل من العمل والوظيفة والحصول على مورد للرزق امتيازا تتكرم به على المواطن وهذه هي البيئة المثلى لانتشار المحسوبية والطرد التعسفي من العمل، وفي ظل انحسار الحريات السياسية وفي ظل انتشار البطالة يصبح العمل بغض النظر عن الحقوق التي يولدها مطمحا نهائيا لمواطنين انحصر معنى وجودهم في البعد البيولوجي الحيواني وهذا هو المواطن المثالي الذي تريده الدولة مواطن يتحدد مصيره من خلال معدته لا من خلال أفكاره، فلا أرى أنه يصح في وطني الاحتفال بهذا العيد فالعامل عيده الحقيقي والأكبر هو أن توفر له حقوقه وأن تستمع لمطالبه وأن يحظى بحياة تليق به كإنسان أولا ثم كعامل يساهم في تنمية بلده وتطوره وهذا إلا إذا كان مستمتعا بعمله إذ يقول الفيلسوف “أرسطو” (الاستمتاع بالعمل يضفي عليه المثالية) فمن أين للعامل المغربي في ظل هذه الظروف وما أبعد المثالية في هذا الكلام وما فائدة العيد يوما وباقي الأيام شقاء؟.
إن المواطن المغربي بشكل عام والعامل بشكل خاص سئم عبارة (مزيد من البذل والعطاء) التي تذكره بأن وضع المواطنة مختزل في مقولة الواجب نحو الوطن دون أي وجود لمبدأ الحقوق والكرامة، فلقد أصبح العمل بكل مشمولاته من عمال ومصانع ومن إنتاج وسيلة للدعاية الرسمية في سبيل بناء شرعية الدولة أكثر منه مجالا من مجالات الحياة يؤكد مفهوم المواطنة وحقوق الفاعلين الاجتماعيين إنه مجال للتدجين والإنجاز بامتياز مجال للتدجين لما يوفره من محاصرة لمواطنة مبتورة وهو مجال للإنجاز لأنه يوفر للسياسة الدعائية مادتها الرئيسية، لقد أغرقتنا هذه الدعاية بسيل من الكتابات والخطابات المحتفلة بهذا الإنجاز التنموي أو ذاك كما أغرقتنا أجهزة التلفزة المغربية بصور هذا الوزير أو ذلك البرلماني أو المسؤول النقابي وهو يستمع إلى شروحات الفنيين والمهندسين في مشهد مسرحي مثير.
إن احتكار الدولة للبناء والإنشاء وتوزيع الوظائف وتوفير مصدر الرزق يراد به ترسيخ علاقة أبوية بين الفئة الحاكمة والمجتمع وخطر مثل هذا النهج يتمثل في تكريس عقلية التواكل لدى الفاعلين الاجتماعيين والتشجيع على عقلية الاستجداء وما يصاحبها من محسوبية ومحاباة، فلقد أصبحت التنمية وما تخلقه من عمل وسيلة للمراقبة الاجتماعية للأفراد أكثر منها دعما لبناء مواطنة حديثة وهذا يتم بهدف التغطية على حاجات أخرى ذات دور حيوي في بناء الإنسان المغربي الحديث مثل الحرية وثقافة العقل والحقوق وكأن لا خيار أمام المواطن المغربي إما الخبز وإما الحرية، فالخيار لك أن تكون عبدا حيا أو حرا ميتا.
إن المرحلة القادمة سوف تشهد مواجهات حادة بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية الحاكمة وفى هذه المواجهات لابد أن يدرك المناضلون أن دورهم لن يقتصر على الدعاية ضد التنظيم النقابي القائم باعتباره موال للدولة وخائن للعمال فقط بل لابد أيضا أن يشاركوا بفعالية في خلق لجان نقابية قطاعية بهدف العمل على توسيع نطاق الحركة العمالية والارتباط بها ودفعها نحو تكوين أشكال تنظيمية قاعدية مناضلة، فالرؤية الإصلاحية التي تهدف إلى إصلاح التنظيم النقابي الحالي سوف تصطدم بالواقع المرير الذي سيحطم كل أوهام الإصلاحيين فالطبقة الرأسمالية الحاكمة أصبحت تقدم الإصلاحات فقط عندما تسمح لها ضغوط المنافسة والسوق أو عند مواجهة حركة عمالية قوية ولكنها لا تلبث أن تسحبها في أوقات الأزمات أو عند انحسار الحركة كما هو حاصل اليوم فلا مجال لديها تقديم أي إصلاحات للعمال بل إنها تشن حاليا أعنف هجوم لها على حقوق ومكتسبات العمال التي طالما ناضلوا من أجلها، يقول “ليون تروتسكي” (أن السمة المشتركة في انحطاط المنظمات النقابية الحديثة في العالم بأسره هو جذبها الوثيق إلى سلطة الدولة ونموها في داخل مؤسساتها).
عبد الإله شفيشو / فاس