عبد القادر الونيسي
في بداية التسعينات زارني أخ مثقف من ألمانيا ،كنت أنتظر منه أن يطلب مني مرافقته لزيارة متحف اللوفر أو أحد المعالم الثقافية في مدينة باريس.
الأخ طلب مني أن أكون دليله في زيارة حي بارباس Barbès وهي مكان شعبي يسكنه خليط من المهاجرين.
إرتبط إسم هذا الحي ببيع الزطلة تراهم وقوفا على قارعة الطريق يعرفون الوجوه التي تبحث عن بضاعتهم فيبادرونها وتتم عملية البيع في ثواني معدودة وأغلب الباعة من جنسيات مغاربية.
أصر على مشاهدة هذا العالم الغريب.أستغربت من طلبه لكني أذعنت وهو الضيف .
أعرف الحي لأني أسكن حينها على حدوده لكن لم أتجرأ على دخول أدغاله التي تدار فيها كل الممنوعات.
قصدنا ربي دخلنا إلى عمق الحي تجولنا داخله وحقق الصديق رغبته وفي طريق خروجنا حدث أمر غريب.
فجأة سقطت قطع نقدية من شاب يمشي أمامي ليلتفت بسرعة ليجمعها ممسكا بي من ساقي.
صحت في وجهه وحاولت تخليصي ساقي من قبضته فتركني وذهب في حال سبيله.
بعد أن غادرنا برباس أردت أن أكرم صديقي بشرب قهوة تحسست جيبي الخلفي فوجدته مفكوك الزر ولم أجد ورقة المائة فرنك ( 15 أورو تقريباً) .
إلتفت إلى صاحبي قائلا: تسرقنا يا فلان.
بمراجعة سريعة فهمت أن العملية تمت عند نثر القطع المعدنية أمامي ومسكي من الساقين لتوجيه إنتباه الدماغ الكامل نحوها ليأتي شريكه من الخلف الخبير بفنون النشل ويسحب الورقة بخفة لا يقدر عليها غيرهم.
الحمد لله كانت المرة الأولى والأخيرة التي أتعرض فيها للنشل فداء لرغبة صاحبي الغريبة.
مالذي جعلني أتذكر هذه الحادثة بعد ثلاثين سنة ؟
هو ما يحدث في تونس نشال سرق دولة يمسك من “بلاصة” لتشتيت تركيزك ثم يذهب مباشرة لتنفيذ جرائمه وأنت مازلت في غفلتك.
ما حدث في معرض الكتاب هو نفس “تكنيك” نشال برباس تقوم به فئة باغية ظالمة إستباحت البلاد والعباد.