كمال الشارني
من أين تكتسب سوريا أهميتها حتى نحتفل بسفير “فوق العادة ومفوضا للجمهورية التونسية”؟
السيد محمد المهذبي، سفيرا فوق العادة ومفوضا للجمهورية التونسية لدى سوريا، هل يعتبر هذا حدثا بالمعنى السياسي والصحفي محليا أو دوليا؟ هل أن إعادة سفير تونس في دمشق حدث مهم؟ لكي لا نغالط بعضنا، بالشوية:
العلاقات بين تونس وسوريا لم تقطع أبدا، الرئيس السابق المنصف المرزوقي اتخذ موقفا متضامنا مع دول الثورات العربية وأهمها النظام السوري ونظم ندوة دولية لمساندة الشعب الثائر ضد النظام السوري، وثمة مواقف عربية تعتبر النظام السوري حليفا طبيعيا لأمريكا منذ أن ساهم في غزو العراق بعد اجتياح الكويت، المهم: سوريا سحبت سفيرها قبل ذلك من تونس لاعتبار مواقفها عدوانية ولأسباب طويلة، لم يعد لدينا سفير في دمشق، لكن لم يصدر أي موقف رسمي من الدولتين بقطع العلاقات رسميا، في رئاسة الباجي قايد السبسي استمر الوضع الغامض وتكفلت سفارة تونس بلبنان بالقيام بكل ما يجب لتعويض سفارة تونس في دمشق التي احتفظت بالحد الأدنى من العمل،
باهي: تحدد أهمية سفارة دولة في دولة أخرى بعدة درجات: أهمية الدولة في صنع القرار الاقتصادي والسياسي، المنافع المتبادلة والجالية، التحالفات الإقليمية والدولية والجوار الجغرافي. نحن مثلا، في عمق أزمة ليبيا، أغلقنا سفارة تونس هناك وتركنا الجالية والمصالح الأكبر واقعيا بلا راع فيما حافظت بقية الدول المتدخلة على حضورها السياسي والقانوني والتجاري الذي نحن أولى به.
سوريا استقبلت 40 ألف تونسي في أفضل الحالات أغلبهم المطلق من الطلبة الهاربين من الباكالوريا ونظام التوجيه الجامعي، أي 1/25 من عدد جاليتنا في فرنسا و1/15 من جاليتنا في إيطاليا، ولم أسمع أحدا يتحدث عن الحاجة إلى تطوير الحضور الديبلوماسي في سوريا لأنه لا يستحق مقابل تطوير الحضور التجاري لأننا كنا نستورد جزءا مهما من القمح الصلب من سوريا. بعد 2011، دخلنا في مرحلة الهذيان التونسي والقوى المضادة للثورات العربية حول عدد التونسيين الذين استقطبهم الجهاد في سوريا وحاول عرب كثيرون وتونسيون كثيرون بالوكالة أو عن حسن نية سيئة في أصلها، إيهامنا بأننا أرسلنا 12 ألف مقاتل؟ عشرين ألفا؟ اخترع أحدهم كذبة جهاد النكاح وكان واضحا أنها أرقام ومعلومات مزيفة في إطار الحرب مع أو ضد الثورة، لأن الجهاديين أو غيرهم لا يعانون من نقص النساء الجميلات في سوريا حتى يستنجدوا بنساء من أرياف تونس، فقد كانوا “يصادرون” كل النساء في سن الإنجاب في أية مدينة يحتلونها، (من لم يتزوج سورية مات أعزب)، الأمم المتحدة بصفتها المرجع الرسمي الوحيد الذي يمكن الإطمئنان إليه تحدثت عن أربعة آلاف مقاتل تونسي، أي عشر التونسيين القانونيين في سوريا والذي انخفض إلى 3 آلاف أو أقل بعد الحرب الأهلية ممن وقعوا تحت التأثير التاريخي للزواج المختلط، حيث هرب أكثر من 12 مليون سوري من بلدهم، فما بالك التونسيين، وتبعا لمختلف الدراسات التي نشرت حول سوريا، يفترض أن الـ 4 آلاف تونسي هلكوا ولم يبق منهم سوى بضعة عشرات، وثمة تقارير أممية عن إيقاف أي تونسي مسالم في سوريا وإجباره على الإعتراف بأنه داعشي تم إرساله من طرف سياسي حاكم في تونس في رحلات منظمة، لذلك، فإن وهم الحصول على اعترافات رسمية من جهاديين تونسيين في سوريا حول الشبكة المحتملة لتسفير الجهاديين ليست سوى خدعة، سراب خلب يحسبه الضمآن ماء ولا قيمة له إلا في تلفزات تونس بعد أن انقرض من تلفزات العالم لعدم جديته، ربما كان من الأفضل التوجه إلى المخابرات التركية التي يقال إنها وثقت كل شيء لجسور المقاتلين عبر العالم قصد الإطاحة بالنظام السوري، لكن المشكل أن الروس الآن يتوسلون للنظام التركي قصد التفاهم مع النظامين الإيراني والسوري لدفن الخلافات والبحث في مصالح المستقبل، حيث ستدفن المشاركة التونسية في القتال إلى الأبد،
نحن لسنا بلد جوار لسوريا التي لا تمثل شيئا في صنع القرار السياسي الدولي، بل يبدو قرارها مرتهنا بالجيوش الإيرانية والروسية والتركية والأمريكية والفرنسية ولا نملك الوسائل العملية للتأثير هناك، التبادل التجاري انتهى ومات إلا في خصوص حبوب الهلوسة الكابتاغون وجزء كبير من الشعب السوري يعيش على المساعدات الدولية، إذا، من أين تكتسب سوريا أهميتها حتى نحتفل بسفير “فوق العادة ومفوضا للجمهورية التونسية”؟ من العراك المحلي والقومية الشوفينية المحلية في تونس والتي تعتبر العلاقة مع سوريا مسألة استراتيجية لأنها تمثل في ثقافتهم التي تعود إلى سنوات الستين مرجع القومية العربية والباب الوحيد الذي ستنجو منه الأمة العربية من الاستعمار والتخلف وانتهاك الحقوق (ليس هناك حقوق مواطن في الدولة القومية) من موريتانيا إلى البحرين، شماتة في جماعة الثورة الذين قطعوا العلاقة رمزيا مع سوريا مساندة للثورة فيها، صحيح أن الثورة تحولت إلى مأساة وحرب أهلية لم نعد نتبين فيها الصديق من العدو، لكن الشماتة في من ساند فكرة الثورة أيام مدينة درعا وحمص هي التي بقيت والنكاية فيه، حتى إن لم يكن لقرار تعيين سفير مفوضا فوق العادة أي منجز سياسي أو إنساني، حتى لمجرد دوي العبارة التي لا تعني شيئا لدى الآخرين، بما فيهم سوريا، بل قد تعني لدى الخبراء الإيرانيين الكثير، هذا موضوع آخر، يستحق مقالا متخصصا، إذ لا أحد يستطيع أن يجزم أن المعركة الحقيقية ليست بين طهران والرياض مثلا، وعما إذا كنا مجرد “بولونة” صغيرة في محرك كبير، السؤال الطريف من باب التحليل السياسي: هل سيعتبر النظام التونسي تعيين سفير مفوض فوق العادة لدولة تونس حدثا يتم بثه في استقبال رئاسي متلفز مع تحاليل عميقة حول الجدوى العظيمة؟ للننتظر.