السودان: الإجلاء الغربي دلالته: هل بدأت معركة إفريقيا ؟
أبو يعرب المرزوقي
كان يمكن عدم حصول المعركة بين الجيش السوداني والمليشيا المتمردة بمجرد تعريفها بصفتها وعدم جعلها ندا للجيش الذي تمردت عليه لو كان الغرب حقا يريد حقن الدماء.
لما أراد أن يسحب ممثليه في السودان هدد بسحقها أي بعدم الاعتراف بها فأوقفت القتال حتى يمر الإجلاء بسلام.
لكن الإعلام كله في الغرب وفي توابعه العربية بما فيها الجزيرة لا يميز بين الجيش والمتمردين.
والكل يتباكون على حال السودانيين في حين أنهم بإعلامهم يثبتون شرعية للمتمردين فيطيلون القتال: دموع التماسيح.
فما الدلالة؟ يكفي أن نعلم من وراء المليشيا المنقلبة: وتحديد ذلك يترتب على الوظيفة التي تنتظر منها.
ففي الظاهر هي تابعة للقطب الشرقي أي روسيا ومن يلعب لعبتها من العرب. لكن مستشار المليشيا فضح الوظيفة المنتظرة منها:
الأولى: هي ما يتمناه راعي الأبل: اتهام الجيش بكونه يمثل الإرهاب الإسلامي وعودة نظام البشير.
الثانية: لعب المليشيا على الحبلين لأنها تستنجد بإسرائيل وتصف الإسلاميين بالإرهابيين الذين يحاربونها أي إن الفلسطينيين الذين يسعون لتحرير أرضهم وحماية عرضهم يعتبرون إرهابيين عند راع الإبل ومستشاره.
فيكون حميتي لا يلعب على الحبلين هو ومن معه من الثورة المضادة بل هو يؤدي وظيفة التعفين الضروري الذي قامت به مليشيات ايران وحشودها في الهلال.
فإذا جمعت بين الفعلين فهمت الهدف: تكرار العملية الاستعلامية لخلق داعش إفريقية بعد الآسيوية في مركز كل الواجهة التي تحيط بالبحر الأحمر وبحر العرب:
لإتمام حصار زعيمة القطب الشرقي وتدخل الحلف الأطلسي كما حصل في الهلال لمحاربة داعش الإفريقية مواصلة لحرب الساحل:
- فيتم إشغال روسيا التي لها قاعدة في السودان وفي اليمن مع إيران وفي إرتريا مع إسرائيل.؟
- ومحاصرة الصين التي لها قاعدة في جيبوتي وحضور في جل الدول الأفريقية.
- والهدف غلق بوابة الأبيض المتوسط وسد الممر الثاني لطريق الحرير نحو أوروبا.
- وقد بدأ التجريب في الإجلاء لأنه تم في الظاهر وكأن كل دولة عالجته بمفردها لكنه في الحقيقة اعتمد مستويين اطلسي وأوروبي في آن أولهما تديره إنجلترا وأمريكا والثاني فرنسا وألمانيا.
- وطبعا كل “البعابس” (الأذناب) العربية التي تعمل ما تؤمر به لأنها تتصور أنها قادرة على اللعب على الحبلين الشرقي والغربي ولا تدري أنها ملعوب بها وليست لاعبة كما يتوهم الحمقى منهم لظنهم أن لهم وزن معتبر.
النتيجة:
حرب تفتيت دول إفريقيا لمنعها من الخروج من طوع الغرب وفي نفس الوقت لإخراج القطب الشرقي أي الحضور الروسي والصيني. لتدارك ما فات الغرب بأقل كلفة وتيسير الانتشار المتأهب للصدام إن حصل في إفريقيا كما حدث في أوروبا بعد معركة أوكرانيا إلى حد الآن بعد أن شرع الكثير من نخب إفريقيا الميل للتحرر.
لا يمكن أن يستطيع الغرب الإجلاء دون كلفة لو لم تكن المليشيا التي يقودها راعي الابل تأتمر بأمره. لكن الأهم من ذلك هو أنهم كلهم يعاملونه وكأنه ليس مليشيا متمردة بل جيش ثان: فيضفون عليه شرعية.
ولا يصدقن أحد أنهم يصدقون أنه يمثل الديموقراطية: بل هم يحتاجون إليه لكي يأتي بفاجنر مثل صاحبه حفتر ولكي يحرك بعض الدراويش من الداعشيين حتى يوفر لهم ما وفروه في الهلال.
ثم إن ذلك يخفف عليهم حمل معركة أكرانيا لأن روسيا ستضطر لإرسال بعض فاجنارها وتقسيم قوتها المنهكة وستصر الصين الشروع من الآن في التصدي بحيث لن يوفروا لها فرصة الاستعداد المتمهل كما هي سياسة الصين التقليدية.
أما العرب: فمشكلهم ليس مع الاستعمار ولا تهمهم السيادة. هم خدم لمن يحميهم من ثورة شعوبهم لا أكثر ولا اقل. محميات المغرب الكبير لا تختلف في ذلك عن محميات المشرق الكبير.
كلاهما كبير بثورة شعبه. لكن كليهما صغير بل وحقير بصغر نخبه وحقارتها، نخبه السياسية والنقابية والأكاديمية والمدنية والثقافية والإعلامية، النخب المسيطرة بالحلف مع الاستبداد العسكري والتي لولاها لما صرنا في ذيل الأمم.