الاعتقال السياسي، قضية طبقية

عبد الإله شفيشو

إن مسألة الاعتقال السياسي في المغرب سلوك قديم ارتبط ببداية تشكل السلطة السياسية وظهور التناقضات المجتمعية إذ أن كل خروج محتمل عن اللعبة السياسية للنظام القائم وكل محاولة رفض كانت تجد في مواجهتها ممانعة من قبل الطبقة السائدة مما كان يؤدي إلى الاعتقال، ومن وجهة نظر الماركسيين المغاربة فالاعتقال السياسي قضية طبقية ومسألة مرتبطة بشكل كلي بالصراع الطبقي وهو يشكل إحدى تجليات الدكتاتورية التي تمارسها الطبقة الحاكمة وهو وفق هذا المنطلق شكل من أشكال القمع السياسي الذي تمارسه الطبقة الحاكمة ضد خصومها السياسيين باسم أمن الدولة، وقد عرف المغرب أبشع حالات الاعتقال السياسي وقد تعامل النظام الحاكم مع هذه الآفة بشكل سلبي وهروبي سواء من حيث إنكار وجود معتقلات سياسية غير قانونية ببلادنا أو إنكار وجود معتقلين سياسيين.

ووفق القانون الدولي الاعتقال السياسي إجراء محظور في جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، ووطنيا هو اعتقال خارج عن القانون وتعسفي ويعتبر مسا خطيرا بالدستور (الممنوح) والتفاف على المواثيق الدولية والقوانين الوطنية ويمتاز هذا النوع من الاعتقال بأنه عملية منظمة وليست عشوائية يستهدف من خلالها المخزن إلى إرهاب المعارضة أو اعتقالها أو إجبارها على الرحيل وتأتي ضمن حملة استئصال لكوادر الأحرار والحرائر المعارضين المؤثرين للحد الذي يصبحون فيه غير قادرين على المعارضة أو مقارعة الجهة الحاكمة وعبر ذلك ينفذ المخزن سياساته والاستراتيجية التي خطط لها في كافة النواحي دونما معارضة بعدما يكون قد فرض حالة من الشرذمة والاحتكار للسياسات وتشريعها وقتل الروح الوطنية والمقاومة الرافضة للفساد والاستبداد وطنيا.

يعتبر الاعتقال السياسي في المغرب أيضا انتهاكا لمبدأ التعددية السياسية وحرية تشكيل الأحـزاب والـذي يعد من أهم مبادئ الديمقراطية ويتناقض مع الخطاب الرسمي للدولة المغربية فالوطن هو للمغاربة أينما كانوا فيه يطورون هويتهم الوطنية والثقافية ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسـانية فـي ظـل نظـام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل، وقد شددت في هذا الصدد العديد من الجهات الحقوقية والسياسية التقدمية على أن مبررات وأسباب الاعتقال السياسي في المغرب واهية ولا أساس لها من الصحة عدا عن أن التهم الموجهة للمعتقل صورية وهمية على خلفية سياسية لـتضليل القضاء ويبرر الحكم عليهم لمدة أطول (معتقلي حراك الريف نموذجا).

إن مسألة التعاطي مع الاعتقال السياسي بالمغرب ينبغي أن تتجاوز النظرة السطحية المنطلقة من الوازع الأخلاقي عبر الإحساس بالظلم المسلط على شخص أو تيار أو حركة سياسية وجماهيرية إلى استيعابها في مسارها الصحيح باعتبارها واجبا نضاليا يتعين استحضاره والنضال من أجله لفضح السياسات المخزنية للنظام القائم والمساهمة في تعميق عزلته الداخلية والخارجية من أجل كسب المزيد من الفرص وحشد الدعم والمساندة الشعبيين للمعتقلين السياسيين فالوقت ليس وقت محاباة أو مجاملة أو مطالبة للصفح وإعلان التراجعات عن القناعات والمبادئ، ويبقى أفضل دعم يقدم للمعتقل السياسي هو الوفاء لجوهر قضيته وإبرازها إلى العلن باعتبارها قضية طبقية تساهم في كشف الوجه البشع لما ينهجه المخزن من سياسات طبقية تروم قمع الأصوات الحرة وتكميم الأفواه وسلب الحريات والعمل على الانتقاص من كرامة المناضلين عبر الزج بهم في غياهب السجون وطمس قضيتهم وأخبارهم.

إن قضية الاعتقال السياسي بالمغرب تحتاج إلى هيئات وقوى تعمل بمنهجية وأسلوب عمل واضح للجميع بعيدا عن احتكار المعلومات لكي تنتقل من حيز الخصخصة النضالية إلى حيز قضية رأي عام مغربي دولي ضاغط على النظام وداعميه حتى تتمكن قوى التقدمية المعارضة من انتزاع المعتقلين جميعا من براثين المخزن، فقضية الاعتقال السياسي يجب أن تكون إحدى مفاتيح الدخول للعملية السياسية وليس في صلب عملية التفاوض وانتظار العفو بحيث يلاحظ المتتبع لقضية الاعتقال السياسي أنه لا يتم التعامل مع هذه القضية بمنهجية واضحة ومعلومة للجميع سواء كان للقوى المجتمعية أو عند القوى السياسية متفرقة كهيئات وأحزاب، وهذه المقارنة البسيطة للتعامل الإعلامي والإعلاني عن قضية الاعتقال السياسي منذ انطلاقة حركة 20 فبراير مرورا بحراك الريف… والأوضاع الحياتية للمعتقلين داخل السجون توضح إلى أي حد لا يتم التركيز على قضية الاعتقال السياسي بالمغرب.

عبد الإله شفيشو / فاس

Exit mobile version