وهو في محبسه

سامي براهم 

على غير ميعاد في رحاب الزيتونة بمناسبة المولد النبويّ الشريف..
صورة يتيمة التقطها العزيز العمّ نور وهدّدني مازحا بنشرها لفضح ادّعائي الاستقلالية ونقد النهضة وزعيمها !!! رجوته أن لا يفعل واحتفظت بها… وها أنّني أنشرها اليوم لأوّل مرّة والرّجل في محبسه من أجل تصريح يدافع فيه عن حقّ الجميع يسارا ويمينا في العمل السياسي محذّرا من للإحتراب الأهلي الذي يخلّفه الإقصاء ...

راشد الغنوشي وسامي براهم

كنت جالسا في أحد صفوف الجامع الأعظم أستعدّ لتلاوة سريدة المولد النبويّ الشريف للإمام البرزنجي مع بقية المحتفلين ككلّ سنة في الزيتونة المعمور فوجئت بأحدهم يترك له مكانه قبالة السّارية… لم أنتبه له في البداية… ثمّ فوجئت به يتفرّس في وجهي من وراء نظاراته ليبدأني بالسّلام قائلا ” الأستاذ براهم أليس كذلك؟… قلت نعم… قال نقرأ تدويناتك ونستفيد منها… قلت في نفسي وأنا لا أمسك ابتسامتي أيّها ؟ لعلّها النّاقدة لشخصه وحزبه !

ثمّ بادرني بالسّؤال: كيف تفهم ما يصدر عن الأستاذ محمّد الطّالبي ؟ وكان وقتها مثيرا للجدل بتصريحاته المثيرة التي كان الإعلام يتلقفها ويوظفها في الصّراع السياسي… فأجبته: عامل السنّ يا شيخ !
وانقطع الحديث بيننا بنقله للصفّ الأوّل حيث الموكب الرسميّ للاحتفال تحت إلحاح المشرفين رغم تمنّعه وإصراره على البقاء في مكانه… بعض الملحّين في الاحتفاء به وتصديره في المجلس هم اليوم في مناصب متقدّمة في الدّولة !

انتقدناه وانتقدنا حزبه قبل الثورة وبعدها نقد الباحث المشتغل بالأفكار ونقد الشريك في همّ التجديد الفكريّ الذي يشغل تيّار استئناف الإسلام الحضاري ونقد رفيق الإسلاميين في محنة سجونهم وتعذيبهم وشريكهم في حلم الحريّة…
نقدناه عندما كان الكثير من خصومه اليوم يتزاحمون على باب مكتبه طمعا في قضاء شأن أو نيل عطاء أو الحصول على منصب أو منزلة أو حظوة… نقدناه حبّا لهذا البلد الذي لا نرى له مستقبلا في ظلّ الإقصاء والتّهميش والاستبداد والضّغينة والتعصّب…
لم تمرّ مرحلة دون نقد له ولحزبه ودون دفاع عن حقّ الإسلاميين وخصومهم في الحرية والحقوق… وطالما ردّدت أن “لا ديمقراطيّة دون إسلاميين ولا إسلاميين دون ديمقراطيّة” لأنّا نعلم أنّ الإسلاميين ليسوا مجرّد حزب سياسي بل تيّار اجتماعيّ واسع في البلد… كنت أذود بقدر ما أنقد وأنقد بقدر ما أذود في زمن الاصطفافات والثنائيات الحديّة… فتنالني السهام ممّن أنقدهم ومن أذود عن حقوقهم على حدّ سواء…

اليوم وهو والعديد من قادة النّضال السياسي السلمي في محبسهم وحزبه مجمّد عن النّشاط السياسي بقرار إداريّ في انتهاك صارخ لأبسط الحقوق السياسيّة والمدنيّة نرفع الصّوت مجدّدا بكلّ المعاني التي عبّرنا عنها في نقدنا لقضايا الشّأن العام الحزبي والسياسي وعلى رأسها أن لا مستقبل لهذا البلد في ظلّ الإقصاء وغياب الدّيمقراطيّة الحزبيّة والنقد الذّاتي والقضاء المستقلّ وفي ظلّ الحكم الفردي التسلّطي والإعلام المضلّل والشعبويّة المقيتة ونزعة الحقد والثّأر والتشفّي وإشاعة روح الكراهية والبغضاء وتقسيم أبناء الوطن الواحد…

الأحقاد تشفي غليل الموتورين ولكنّها لا تبني وطنا حرّا مستقلّا موحّدا..
الحريّة لكلّ المعتقلين السياسيين وللشيماء عيدكم مبارك أنتم الأحرار وراء القضبان…

يا دامي العينين والكفين إنّ الليل زائل…
لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السّلاسل…
نيرون مات ولم تمت روما بعينها تقاتل…
وحبوب سنبله تجفّ ستملأ الوادي سنابل… درويش

Exit mobile version