الأمين البوعزيزي
من يجرؤ على الكتابة ضد التيار؟
من يجرؤ على القول العلني لما يقوله غيره في مجالس خاصة؟
ما فكرت يوما في الكتابة عن الزعيم التاربخي لحركة النهضة، فلست صحفيا لأحاوره أو أكتب عنه بورتريه، ولست مأجورا موتورا لأشيطنه وأرذله، ولا مريدا لأكتب كراماته.
كل ما يمكنني فعله عمل نقدي جول الأدب السياسي الذي طرحه.
لكن أمورا ثلاثة دفعتني دفعا للكتابة عنه…
- أولها، وجوده قيد الاعتقال في قبضة منظومة انقلابية عسكرت القضاء وتوعدت بالويلات والثبور كل من لا يعتيق هذيان من أعلن نفسه ربا للتونسيين يَسأل ولا يُسأل.
- ثانيهما، ما رأيته هذا الصباخ من مانشيتات صحف الدعارة التونسية، كلها عادت إلى زمن النوفمبرية مع تغيير طفيف، استبدال صورة بنعلي بصورة قيسبنعلي، والباقي كله مخصص لـ #الخوانجي المستباح!!!
- ثالثهما، بعض صنيع “خوانجية” سابقين أدمنوا الستريبتيز عسى أن يرضى عنهم محفل العلمنجية البوليسية، سقوط أخلاقي مريع… هذيان من قبيل نهاية الإسلام السياسي لعدم قدرته على التأقلم مع الزمن الديمقراطي… هل تأقلم القومي (البعثي والناصري) في تونس مع الزمن الديمقراطية؟! هل تأقلم اليساري الستاليني والماوي في تونس مع الزمن الديمقراطي؟! هل تأقلم العلماني اللائكي في تونس مع الزمن الديمقراطي؟!
هل استحضر الخوانجي الستريبتيزي كل هؤلاء ساعة كان يذبح “الإسلام السياسي” المعتقل هذه الأيام دون أدنى ضمانات محاكمة عادلة؟! إذن بلّع جلغتك!!!
لن أتحدث عن راشد الغنوشي الداعية/المنظر الأيديولوجي، فذاك أمر ليس هذا مجاله (بصدد إعداد مقال مدقق تحت عنوان: “في التفريق بين الإسلام دين سياسي وتيارات الإسلام السباسي” هناك سنناقش الغنوشي في المضامين والعناوين).
ماذا بقي إذن للحديث فيه عنه؟!
الغنوشي في عشرية الثورة الديمقراطية المحاصرة:
خاض الغنوشي وحركته معارك التنافس الديمقراطي وكأنها ديمقراطية ناجزة متناسين أن ما فتحته الثورة من كوة ضيقة في مناخ معاد مطلقا للديمقراطية محليا وإقليميا وعربيا فضلا عن مناخ عولمي يسبح بحمد الديمقراطية لكنه ينكرها على العرب، ساعتها ما المطلوب، الترفق بها وخفض جناح المشترك أم الزهو بكثرتهم؟!
كثيرا ما يعيب نهضويون كثر ومزايدون كثر وثورجيون كثر ومناضلون كثر كون الغنوشي وحزبه خانا الثورة برفض تمرير تحصين الثورة وعقد لقاء باريس مع السبسي.
ألم يُسفح دم شكري بلعيد صبيحة اليوم الذي يعقد فيه المجلس التأسيسي ذي الأغلبية “الخوانجية” جلسة المصادقة على ما سمي بتحصين الثورة؟!
ألم يسفح دم الحاج محمد البراهمي لخلق أجواء استنساخ صنيع السيسي في تونس للاطاحة بالخوانجية المنتخبين، فرد الغنوشي وحزبه باعتصام مضاد دام ليلة واحدة اظهر فيه قوة عددية تفوق اعتصام الأحزاب/الخصة، رسالة واضحة لموازين القوى وطار لباريس للقاء السبسي؟!
على ماذا كان يحتكم الغنوشي حتى ينفذ الرغبوية الثورية للصادقين والمزايدين… ماهي المؤسسات التي كانت تقف معهم أم أنها كلها كانت مجندة للإطاحة بهم؟!
هل ثورة مفتقدة لحزب يقودها (ولله الحمد) ومفتقدة لكتلة تاريخية ملتقية حول مشتركات وطنية كانت قادرة على العيش الأعرج طوال عشر سنوات لو أن “الخوانجية” ركنوا إلى الرغبوية الصادقة والمزايدة لكنها تفتقد لشروط التنفيذ أم أنها كانت ستقبر كما شقيقتها المصرية عالنفاس؟!
ألم يقلها علنا أحد رموز يسار البلعة والسفارة “الخوانجية حتى لو عملو الحرية والشغل والكرامة الوطنية يلزمهم يطيحوا؟!
هل معنى ذلك أن الغنوشي وحزبه كانوا ثوارا محاصرين؟!
أعتقد أن النهضة وزعيمها قد غالطوا قواعدهم وناخبيهم ساعة اقنعوهم أنهم يحكمون أو كونهم شركاء حكم، والحال أنهم كانوا مجرد “خوانجية مطلوب رأسهم” حتى وهم في الحكم. الواجب الأخلاقي كان يفترض منهم المصارحة الكاملة وتحميل الشعب مسؤولة حماية ثورته لا تضليله كون الثوريين في الحكم؟!!!
عدى ذلك ألم يقل صديقنا محمد الحامدي الديمقراطي جدا “كنا نرفع السقف أثناء المفاوضات وأيدينا على قلوبنا خوفا من أن يوافق الخوانجية على طلباتنا”؟!!!
أما مسألة التدبير الديمقراطي لحزب حركة النهضة وتحميل الغنوشي كل شرور إفشال ذلك؛ ساعة أجد جيل الغنوشي من القيادات التاريخية للمعارضة التونسية بيسارها ويمينها يختلف عن الغنوشي سأرجمه بحجر.
التقيت ورفاقي (مواطنون) شيخ الحركة وزعيمها ثلاث مرات في سياق لقاءاتنا مع قادة الأحزاب التي تواصلنا معها للتشبيك المقاوم للانقلاب… ما لاحظته هو الهدوء أكثر من اللزوم… ينصت أكثر مما يتكلم… حرص عجيب على إنجاز المشترك الممكن مهما كان ضئيلا… مع دفء إنساني آسر يكسر كل بروتوكول… لقاءات شربنا فيها كأس ماء وقهوة كحلة.
هذه شهادة من لا يراعي حسابات الربح بل من بعشق الخسارات الجميلة، قل الحق ولو على نفسك.
كم من صديق يلعن الغنوشي صباح مساء ويهتف عاليا يا غنوشي يا سفاح يا ڨتال الأرواح… لكنه ساعة يحادثني رأسا لرأس، يقول لي المنظومة ڨتلت شكري والبراهمي بش يكسرو ظهر الثورة ويمسحوها في الخوانجية. كم من رفيق اخرس محامين بارزين استبسلوا في كشف الحقيقة، فقالوا لهم، “اخرسوا عندنا مغرفة نحبو نصفوها مع الخوانجية”!!!
تحبوني نكون كيفكم؟!
الغنوشي ليس شيطانا ولا ملاكا… الغنوشي تكرهونه لأنكم ترون وجوهكم في مراياه.
الغنوشي وحزبه تضررا كثيرا من الديمقراطية (التي أردناها أسلوبا وسقفا للصراع)، أطحتم بها نكاية فيه وحزبه، فهاهما يستعيدان ألقهما وتندثرون ليس لكم إلا هراوات البوليس للبقاء.
من كان يظن أن أحزابا قومية ستنتهي تياسة تستجدي اعتراف انقلاب طيّزهم بالطول والعرض؟!
من كان يظن أن وطديا زايد على الجميع ينتهي وزيرا للهراوات في دولة شبه شبه كما يسمها ويصمها؟!
من كان يظن أن قومجيا حنجوريا ووطديا ثورجيا حولا اتحاد الخدامة إلى منصة تركيع خصومهم يتحولون إلى جواري في حضيرة انقلاب يطلب رؤوسهم؟!
لكل هذا وجدت الف سبب أخلاقي للكتابة عن الغنوشي.
سنموت كلنا وسيأتي جيل معافى من عقدنا ويكتب تاريخا آخر مختلف تماما عن نعيقكم وبطولاتكم الزائفة.
لا سلام ولا احترام😴
✍🏿#الأمين