الخطأ والخطيئة
علي بن مكشر
اعتقد جازماً أن الشعب التونسي من الشعوب الصفرية، بمعنى أن العقل العام لهذا الشعب، هو عقل بدائي، لا يرى إلا لونين لا ثالث لهما: أسود وأبيض.
وتجد هذا في الأحكام، وفي الإفراط والتفريط.
ومن هنا تأتي المبالغات في كل شيء، فهو يضفي صفة الكمال على ما يحب، ويغدق كل صفات السوء على ما يكره.
أما الأحكام، فهي خالية تماماً من التنسيب، فإذا تعرض لمن ينتقد خطه السياسي أو فريقه الكروي، تجده يتعصب لا بعد الحدود، وينزه أصحابه لدرجة التقديس، فإذا تحدث مع مخالفه، كال له أبشع النعوت دون أن يترك فرصة لنفسه للتدارك. ولهذا نستطيع القول، أن الغالبية العظمى، من الشعب، زقافنة بمعنى ما 😁.
أما الإفراط في المثالية، فحدث ولا حرج، واذكر أن شابا، تدين فجأة، وأصبح يغالي في إنكار المنكر، ويرى أن كل من حوله ضالين ومضلين وأولاد ستين كلب، فقام له أحد الحاضرين وقال له: حلمك علينا يا فلان، كعبات البيرة اللي شربناهم مع بعضنا، مازالوا في بلاصتهم 😁.
نأتي إلى التفريط، وهو ما يعبر عنه شعبنا الكريم:
كان خلات، زيدها لص.
وهنا نأتي إلى الزبدة:
بالنسبة للتونسي واقع فيما يسمى بعقلية التجسيد l’incarnation وهي أخطر وضعية تعيشها الأمم المغضوب عليها 😁.
ونقصد بالتجسيد أن يظن الشخص، أن جماعته يمثلون الخير المطلق في ذواتهم، ومخالفبه، يمثلون الشر المطلق في ذواتهم، وهو ما فهمته حرفياً في وصف أحد الزقافنة للبرلمان الشرعي السابق ونظرته للبرلمان الصوري اللاحق.
ينسحب الأمر على كل الفرقاء السياسيين، في التشيع المبالغ فيه لفرقهم.
ما المخرج من هذا ؟
اعتقد أن التفريق بين ما هو خطأ وما هي خطيئة، هو المنهج الوحيد، القادر على وضعنا على سكة الخروج من عنق الزجاجة 😁.
فإن كانت عشرية الإنتقال الديمقراطي الجماعي، قد شهدت أخطاء كثيرة (وهذا طبيعي باعتبارها عملا بشريا ملازماً للخطأ والصواب) ولكنها تظل ضمن الأخطاء، ولا ترتقي للخطيئة. فهي تجربة بشرية تتلمس طريقها نحو الحكم الرشيد، ولا نعلم في عصرنا حكما رشيدا خارج الديمقراطية، وبدون أي لف أو دوران.
فإن اختطاف السلطة، وتدمير المؤسسات التي قامت على الدماء والدموع، هو الخطيئة، التي لا يغفرها سيلان وديان الذهب والفضة بعد ذلك، أن حصل، وهو لم يحصل ولن يحصل.
شوية تأصيل في الموضوع:
يعني، لئن كان الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قد أخطأ التقدير، وخرج للثورة على ظلم بني أمية، في وقت لم تكن الأمة واعية بالقدر الكافي، (فهو خطأ دنيوي، كما يقول ابن تيمية، وأما قتله من بني أمية، فهي خطيئة في الدين). انتهى كلام ابن تيمية.
فإن كان بنو أمية قد قادوا انقلابهم، وفتحوا الأمصار، حتى قيل (لا رخاء بعد بني أمية)، فإن انقلابنا في تونس، لن يجلب لك إلا الشب، وإن كانت تونس عزيزة على الصين من بكري 😁.
التعليق مسموح للجميع، ما عدا Naji Gharbi ، عملا بالمثل الشهير:
من يشمر لنا، نشمر له 😁.