النضال تحت الطلب، لإمتصاص الغضب

عبد الإله شفيشو

أتذكر هنا ذلك الألماني الطبيب والمسرحي والشاعر الذي إسمه “برتولت بريشت” فقد قال قولا بليغا حاسما: (مَن يناضل ربما يخسر، ومن لم يناضل فهو خاسر بكل الأحوال).

لعنة الله على الأسئلة إنها تتناسل ذاتيا بطريقة عجيبة وما يلبث أن يندلع حديث صاخب بيني وبين نفسي فأقول إن الهدف الأسمى لأي شكل من أشكال النضال سواء كان نقابيا، حقوقيا أو سياسيا هو النهوض بأوضاع الطبقات المسحوقة التي تعاني من آفات الفقر، الأمية، التهميش والإقصاء في أفق توفير أسباب العيش الحر والكريم، إلا أنه ومن خلال تقييم بسيط لحصيلة هذا النضال أستشف منه أن الهدف المتوخى بعيد كل البعد لأن من يهمهم الأمر غائبون عن الميدان ولا يبالون عن وعي أو غير وعي رغم الزيطة والغيطة عن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.

فأين يكمن الخلل؟، هل هناك أزمة الاتصال والتواصل؟، هل من هم أوصياء على العمل النضالي قابعون في دائرتهم المغلقة؟، أي مستقبل للعمل النضالي الجماهيري في ظل التحديات المطروحة؟،

لا يمكن الحديث عن النضال دون تصور وجود مناضل يقف وراء النضال فمن دون مناضل يصنع النضال يستحيل الحديث عن منظومة تسمى النضال بل يكون عبارة عن سمسرة وعن بيع وشراء في المستندات والأصول فكم كثر المناضلون ودعاة النضال وكم كثر دعاة الالتصاق بالشعب والتضحية والتطوع لخدمة قضايا الشعب، يكون الجواب السهل والجاهز عند هذا النوع من المناضلين هو دائما رمي الكرة في الطرف الأخر كل حسب مفاهيمه للدولة، المخزن، النظام… صحيح أن هذا الطرف لعب ولا زال دوره وهو دور طبيعي بالنسبة له خاصة عندما تكون ساحة النضال أمامه فارغة لكن أن نرفع الراية ونقعد مع القاعدين ونبقى ننظر ونبرر ونساوم حتى على المبادئ التي أعدم وأختطف ونفي من أجلها الكثيرون في عهد سنوات الرصاص الذي كان يتسم بالقمع الشرس والمفرط ومع ذلك كان هناك نضال جماهيري كمي ونوعي بكل ما للكلمة من مدلول.

أعترف أن المناضل ليس بالضرورة قائدا يتقدم الصفوف وليس النضال محصوراً في تصدر الصفوف ولا في أعمال ضخمة، النضال هو أن تنحاز لما تؤمن به من مبادئ شريفة والمناضل الحقيقي هو من لا يناضل ليحقق نصرا يستمتع به ويجني حصاده بل هو من ينتصر للأخلاق التي يراها البعض بضاعة غير رائجة وغير رابحة، هو من يموت نظيفاً وهو معاديا للفاسدين، فالمناضلون على مرّ التاريخ لم يخوضون معركتهم ضد الفاسدين والمستبدين إلا إذا كانوا ضامنين لنتائجها ولم يتخيلوا أنهم يجلسون أمام هواتفهم وشاشات حواسيبهم ويدخلون ما لديهم من معلومات عن الخصم ثم يقارنون بينها وبين ما لديهم من قوة ثم ينتظرون ما ستنصح به تلك الحواسيب التي تعتمد المنطق فإذا كان النصر مؤكدا خاضوا نضالهم وإذا هي الهزيمة عدلوا عن قرارهم وقبلوا بالاستسلام وما يفرضه من ذل وهوان هذا هو النضال تحت الطلب لزرع اليأس وامتصاص الغضب.

إن غياب استراتيجية التعبئة الدائمة لإعادة الاعتبار للنضال الجماهيري كفاعل أساسي لكسب رهان التحدي في مقابل حضور الخطاب الديماغوجي والأساليب التضليلية والتشخيص النظري للأوضاع والحسابات الضيقة بهدف تحقيق أغراض مقيتة هو ما أدى حتما إلى تبخيس قيمة العمل النضالي وفي نفس الوقت النفور الجماعي وهذا ما نقف عليه في مجموعة من المحطات النضالية خاصة الوقفات الاحتجاجية حيث الحضور الجماهيري صادما ومحرجا، ورغم الدفع أحيانا في اتجاه محاولات النضال الوحدوي التنسيقي لكن ليس كتكتيك استراتيجي قائم على مطالب نضالية بل كظرفية تمليها فرصة موسمية عابرة في لحظة معينة والذي يكون غالبا مصيره الفشل والمزيد من الإحباطات وزرع اليأس وما يساهم في تكريس هذه الوضعية هو غياب تام ومقصود للتقييم والنقد للعمل النضالي للإطارات التي تدعي الجماهيرية وتراجع الدعم الشعبي لها في جميع المحطات النضالية.

فرغم أهمية هذه الأسئلة مرحليا والتي من المفروض الإجابة عليها والحسم معها لاسترجاع الدور التاريخي للعمل النضالي الجماهيري يتم القفز عليها وبشكل لا ديمقراطي ولا أخلاقي وهكذا وفي كل معركة نضالية يستمر الوهم النضالي تاركا وراءه المزيد من خيبات الأمل وفقدان الثقة، وعليه وانطلاقا من مبدأ النقد والنقد الذاتي يصبح من الواجب النضالي على الهيئات التي تناضل من أجل تحقيق ذلك الهدف الأسمى أن تضع أمامها أن على المناضل أن لا يغير مبادئه كما يغير ثيابه الداخلية لأن هذه الأخيرة تبلى وتتسخ لكن الأولى هي النبراس الذي يهتدي به فهذه المتغيرات مدمرة لا تبني شعبا مكافحا مضحيا بل شعبا يائسا متدمرا فاقدا للثقة وفي الكل، فلن ولم أغير موقفي بخصوص أن الغاية لا تبرر الوسيلة وأن الأهداف النبيلة لا تحقق بوسائل خسيسة فالنضال تحت الطلب لمجرد امتصاص الغضب يجب التصدي له بصفة حاسمة لأن التغاضي عن مرض في بدايته هو تركه يستفحل.

عبد الإله شفيشو/فاس

Exit mobile version