عبد اللطيف علوي
مشهد الإمام وهو يترفّق بالقطّة الّتي نطّت إلى كتفه، هو بالتّأكيد مشهد طريف، محبّب إلى النّفس، لما فيه من تلقائيّة ورحمة خاصّة في مقام الخشوع للصّلاة، لكنّه مشهد مألوف، يكاد يتكرّر معنا بشكل يوميّ في صلواتنا…
جميعنا تتمسّح بنا القطط أثناء الصّلاة وقد يعنّ لها أن تتكوّر في موضع الجبين من السّجّادة فنزيحها سنتمترات قليلة بلطف عند السّجود كي لا نؤذيها، أو تتربّص بإصبع التّشهّد وهي تظنّ أنّنا نلاعبها أو تتعلّق بثيابنا، وفي كلّ الأحوال لا ننزعج من ذلك ولا نعتبره من مفسدات الصّلاة ولا نعتبره أيضا من البطولات الّتي ربّما لو علم بها النّاس لعلا شأننا عندهم علوّا عظيما!
ما الّذي جعل إذن، هذا الفيديو يحقّق مليار مشاهدة في سويعات قليلة، وجعلنا نحن المسلمين وكأنّنا نكتشف ديننا من جديد، رغم أنّ موضوع الرّفق بالحيوان من الأمور المسلّم بها في ديننا ولا تحتاج حتّى إلى مجرّد تذكير!
طبعا هناك جواب سهل وسريع وبسيط، وهو الرّسالة، le message، الرّسالة الّتي نرى أنّ ذلك المشهد اختصرها في التّوجّه إلى “أعداء” المسلمين ليقنعهم بسماحة ديننا وتحضّرنا وإنسانيّتنا إلخ إلخ… ما جعل الأمر يبلغ بأحدهم أن كتب نصّا، انتشر هو الآخر انتشار النّار في الهشيم، يؤكّد فيه أنّ كلّ ما قدّمته الدّراما المصريّة والسّوريّة لتشويه الإسلام والمسلمين قد هزمته ونسفته هذه القطّة “المبعوثه” دون شكّ، للقيام بما عجز عنه المسلمون أنفسهم في مشارق الأرض ومغاربها!
عقليّة دروشه واختزال حقيقة تثير الشّفقة!
نفس العقليّة الّتي ترسل إليك صورة النّخلة الّتي تبدو لها ساجدة واسم الجلالة المكتوب في السّحاب وتطلب منك أن لا تخرج قبل أن تقول سبحان اللّه!
الإسلام لا ينتصر بالقطط ولا بالنّخيل ولا بالسّحاب!
الإسلام ينتصر بتمثّل كلّ قيمه في السّلوك وبمقاومة الظّلم وبإشاعة العدل وبالبناء والخلق والإبداع…
الأعمال الدّراميّة الّتي تعتبر أنّها موجّهة لضرب القيم الإسلاميّة ولتشويه صورة المسلم عموما لا يمكن أن تواجهها إلاّ بأعمال فنّيّة من جنسها تصحّح تلك الصّورة الرّديئة وترسّخ قيمك وتنشر الوعي الّذي تريد، ولن تنفعك القطّة ولا النّخلة إذا قعدت عن القيام بكلّ ما يجب عليك القيام به، في الفنون وفي الإعلام وفي السّياسة وفي كلّ المجالات الّتي أصبحت اليوم أسلحة فتّاكة للدّعاية والدّعاية المضادّة!
فيديو القطّة كغيره من الفيديوهات الطّريفة، سيثير الإعجاب لسويعات أو أيّام، ثمّ يتبخّر ويتلاشى كفقّاعة عابرة، ويختفي تحت أكوام الفيديوات الّتي تتكدّس كلّ ثانيه بالآلاف في مدافن الانترنت، أمّا الفكر والإبداع والعمل الصّالح فهو وحده الّذي سيعطيك أسباب البقاء على قيد الحضارة، وهو الرّسالة الوحيدة لهذا العالم عن عظمة دينك وإنسانيّته، وعن تمثّلك الصّحيح لكلّ ما تدافع عنه من قيم.