“إسرائيل” سترمينا في البحر
أحمد الغيلوفي
ليس صدفة أن تنتصر علينا “إسرائيل” في كل مرة: 1948 و1967 و1973..في المرة الأولى انتصرت على خمس جيوش عربية، والثانية على ثلاث جيوش والثالثة على 22 جيش بما أن كل الدول شاركت – بكثير أو قليل في الحرب.
الأمر لا يتعلق بالإمكانيات فالعرب اكثر إمكانيات وثروات من أوروبا مجتمعة، وليس قضية عدد.
الأمر يتعلّق بالإنسان: هناك فرق كبير بين من يرفض المساس بنظامه القضائي، ويرى في ذلك إهانة له وخطر يُنذِر بزوال دولة القانون والمؤسسات وبالتالي نُذُرُ انهيار “دولة إسرائيل”.. وبين من يُصفّقُ لذلك ويرى انه علينا أن نُحِلّ الفرد محل المؤسسات.
أليس في “إسرائيل” فساد وقُضاة مرتشين؟ نعم، وفي المانيا أيضا والسويد وفرنسا، ولكن إصلاح القضاء لا يكون بتنصيب قاضي قُضاة يُسيّر القضاء بالتخويف وإنما بمزيد إصلاح القضاء.
عندما يدعي دعِيُُّ بانه هو من يضمن حسن سير القضاء فانه يكسر عملية التراكم المؤسساتي وعملية التطور الذاتية والاستفادة من التجارب والأخطاء، فضلا عن فقدانها لاستقلاليتها. عندما يكون الفرد ضامن لسير مؤسسة -على فرض انه عاقل ونزيه- فان ذلك أولى أسباب انهيار الدول: الفرد فانِِ وميّت فماذا نفعل حين موته؟ نعود للمؤسسات فنجدها غير قائمة بذاتها (غير موجودة اذن).
لذلك كان تاريخ الدولة العربية هو تاريخ العود الأبدي: ولادة وانهيار بموت المؤسس أو المنقذ و”قائد الإصلاح والتغيير” أو “صاحب تصحيح المسار”. دولة تترنّح بين الاستبداد والفوضى، وتأتي الفوضى التي يُسببها موت الفرد لتذهب بما قد يكون قد بناه.
دولة القانون والمؤسسات لا تخضع للفرد بل هو من يذوب فيها ويخضع لمقتضياتها: إنها سابقة عليه وباقية بعده. في هذه الدولة هناك تراكم وتتطور دائم لا يتوقف على فرد. وتكتسب المؤسسة عندما تكون مستقلة وتقادم بها الزمن عقلا وذاكرة وسلوكا آليا وتقاليدا. تصبح الدولة آلة لها أعضاء وجهاز عصبي وتعمل بفضل مؤسساتها.
الذين يدّعون مقاومة “إسرائيل” ويناصرون في نفس الوقت انقلابا حل المؤسسات وانتصب قاضيا ومُرشدا ومُفتيا وحاكما ومُدّعيا.. هؤلاء يعملون على إبقاءنا في ليلنا الطويل. في العود الأبدي: فوضى ثم ولادة مشوهة لشكل جديد من “المُلك” ثم موت صاحب الأمر ففوضى من جديد.. هؤلاء اشد الناس خدمة لـ “لإسرائيل”. والجهل يجعل المرء جاهلا بما يصنع.
سيدفعون بنا للانهيار وحينها سيختفون تماما كالفئران التي خربت سد مأرب، وحينها يكون الوقت قد فات.