حيرة
فتحي الشوك
أضحى التّنائي بديلا من تدانينا * وناب عن طيب لقيانا تجافينا
وقد نكون وما يخشى تفرّقنا * فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
لا تحسبوا نأيكم عنّا يغيّرنا * أن طالما غيّر النّأي المحبّينا
لم نعتقد بعدكم إلّا الوفاء لكم * رأيا ولم نتقلّد غيره دينا
كلمات وأبيات قالها ابن زيدون الأندلسي مع مطلع الألفية الأولى في حبيبته ولّادة بنت المستكفي بعد أن هجرته وصدّته وأوهمته بميلها لابن عبدوس نكاية فيه ولإغاظته بعد أن دفعتها غيرتها المفرطة إلى الإعتقاد بأنّه يتغزّل بجاريتها!
وهي من قالت:
أغار عليك من عيني ومنّي * ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أنّي خبّأتك في عيوني * إلى يوم القيامة ما كفاني.
علاقة ابن زيدون بولّادة كانت فريدة وغير معتادة، ما بينهما لم يكن حبّا عذريّا عفيفا بل عشقا جريئا وعنيفا، فيه الشدّ والجذب، المدّ والجزر، والوصل والهجر، فيه المصلحة والنفعية واللذّة والانتقام والسّجن والسّادية.
تذكّرت هذه الأبيات لابن زيدون في متابعتي لما يجري بين الاتحاد العام التونسي للشغل وبالتحديد قيادته والسّلطة الّتي اختزلت في رأسها وقد قدح ذات مرّة واستشهد بمقّدمة قصيد “أضحى التّنائي”.
ليس مهمّا في هذه الحالة من يكون ابن زيدون ومن يتقمّص دور ولّادة فغالبا ما يكون هناك تبادل للأدوار والأهمّ أنّها علاقة عشق ممنوع تذكي ناره اللذّة والمصلحة والغيرة وهو أشبه بزواج المتعة.
قيل واللّه أعلم وأنّ العاشق تذمّر من وجود بعض الوشاة في خلوته وهل يحتاج المعشوق إلى أن يرسل وشاة ليعلم ما يجري والعاشق يبوح بسرٌه قبل أن يطوى يومه؟
وهل توجد قصّة عشق مكتملة دون وشاة ودسائس، وسجن وتجنّي وظلم ومعاناة وعنف وحتّى موت؟
لم أعش تضاربا في مشاعري مثلما أعيشه في أيّام العبث هذه، أأشمت فيمن كان أحد الفاعلين المباشرين المسؤولين عمّا آلت إليه أوضاع البلاد والعباد فأكون مثل الّذي يخصي نفسه نكاية في زوجته؟
أو أهبّ للدّفاع عن منظّمة هي ملك لكلّ التونسيين اختطفت من طرف بيروقراطية وظيفية مصابة بعمى الألوان تمارس السّمسرة والزبونية مازالت تخاتل وتهادن ولا تملك الشجاعة لأن تسمّي الأشياء بمسمّياتها ولا تعترف بأخطائها برغم إقرارها بأنّ حربا أعلنت عليها من ثكنة العوينة وأنّها صارت مستهدفة؟
أو أنأى بنفسي وأقف على ربوة عالية لأتفرّج وكأنّ المعركة لا تخصّني والأمر لا يعنيني، فأقع في نفس المطبّة الّتي وقعنا فيها جميعا يوم أكل الثّور الأبيض وكأنّنا لم نقرأ التاريخ القريب والبعيد ولم نفتح كتابا ولم نعتبر بأيّة حكمة.
صدق الشّاعر حينما قال:
تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرا * وإذا افترقن تكسّرت آحادا.
حيرة.
د. محمّد فتحي الشوك