صالح التيزاوي
لم يكن تهاوي الجنيه المصري أمام الدّولار سوى مؤشّر على دخول الإقتصاد المصري مرحلة خطيرة من التّازّم وخطر كان داهما فبات جاثما، قد لا تجدي معه أيّة محاولة للإنعاش. التزمت الحكومة الصّمت المتعمّد إزاء ما حدث وتركت الأمر للإعلام المضلّل وأشباه المحلّلين، يبرّرون ويبشّرون بتدابير لتصحيح مسار الدّولار المنهار.
ظهر أخيرا صاحب الإنقلاب، لم يكن نافشا ريشه كعادته، مثل “ديك نزار قبّاني”، ظهر هذه المرّة مهزوما برغم تلك الضّحكات الصفراء وتلك الإستطرادات التي يحاول من خلالها مداراة خطر جاثم، لا يمنعه عن الإفصاح عنه سوي المكابرة والعقليّة الفرعونيّة التي تلبّست به منذ تلبّس بالكرسي واعلنه حراما علي غيره، مهدّدا كلّ من يقترب منه بان “يشيله من على وشّ الأرض”!! فهو مبعوث العناية الإلهيّة ومدعوما بتفويض شعبي، يخوّلان له فعل ما يريد.
انشغل في خطابه بالتبّرير للأزمة، فهي بزعمه، ليست وليدة سوء الحكومة، وليست وليدة احتكار العسكر للسّياسة والإقتصاد، وليست وليدة خيارات فاسدة، مثل التّوسّع في الإنفاق على مشاريع مكلفة وغير ذات جدوى اقتصاديّة، مثل القناة الفرعيّة لقناة السّويس والعاصمة الإداريّة الجديدة، وإنّما وبكلّ بساطة هي نتيجة أزمات عالميّة… الكورونا والحرب الروسيّة الأوكرانية وما إلى ذلك من تلفيق في التبرير..
يحاول عبثا التّقليل من مخاطر الأزمة مستنجدا بإعلامه كما استنجد الفرعون من قبل بالسّحرة لمواجهة موسى عليه السّلام. ورغم تبعية الإعلام له بالكامل، فلم يبخل عليه باللّوم والتّقريع، فتساءل “إنتم ليه بتصوروا المصريين ملهوفين ومرعوبين علي الأكل والشّرب”!! ويحلف كعادته “واللّه مايصحّش” ويقدّم لهم خلاصة “فكره الثّاقب”: بأنّ غلاء الأسعار وندرة الأكل والشرب، ليست نهاية الدنيا في مصر. مطلوب من الإعلام أن يزيّن للنّاس فوائد الجوع والصّبر عليه ومضار الأكل كلّ يوم حتّى من غير شبع.
ربما الجوع، ليس نهاية الدّنيا، ولكنه نهاية الكرامة البشريّة ونهاية الدّولة ونهاية السّيادة ونهاية الغطرسة ونهاية حبال الكذب. أليس هو من وعد الشّعب المصري بأن يدخل بهم عهدا جديدا من رغد العيش في دولة جديدة هو مالكها والمتصرّف فيها وبأفكار جديدة، فإذا بهم على أعتاب جوع، يدعوهم إلى الصّبر عليه؟!