قرابين الأحرار في الليالي السود
فتحي الشوك
مع منتصف ليلة باردة برودة أحاسيسنا المتجمّدة حينما كنّا في بيوتنا وكلّ بطريقته يبحث عن بعض الدّفء المفقود ويتابع انهمار الأخبار الحزينة، كانت خفافيش الظّلام تحاصر منزل أحد الأحرار، المحامي ورئيس ثالث أكبر كتلة في البرلمان الشرعي، تنفيذا لحكم أصدرته في حقّه المحكمة العسكرية فيما يعرف بقضية المطار أو كما يطلق عليها غزوة المطار وهي التسمية المفضّلة لدى إعلام العار، حكم طاله صحبة أربعة من النواب الآخرين في محاكمة سياسية بامتياز فاحت من خلالها روائح الانتقام والتشفّي الكريهة.
يشير القانون صراحة إلى مهلة 24 ساعة لتنفيذ الحكم وإمكانية تأجيله في حالة التعقيب إلا أنّ لخارقيه والمدّعين امتلاك تأويله رأي آخر، ولم يستطيعوا أن يكبحوا جماح رغبتهم المرضية في إشباع نهمهم للانتقام والتشفّي، خصوصا وأنّ اللّحظة الحرجة الّتي يمرّون بها تتطلّب بعض الأضاحي وتقديم قرابين من الأحرار على عتبات معبد الاستعباد والاستبداد الّذين هم بصدد ترميمه وجعله أكثر حصانة من ذي قبل وعصيّا على أيّ معول ينوي استهدافه.
هم يحتاجون إلى إنجاز في غياب أيّ إنجاز وفي ظلّ دولة فاشلة منكوبة صارت تتلقّى شحنات الإغاثة بعد أن كانت تقدّمها وتحوّلت إلى شحاذة تستجدي المارّة وعاهرة تعرض نفسها في الطّريق العام بثمن بخس.
هم يحتاجون إلى أيّ نجاح في ظلّ فشلهم الذّريع المتواتر لتلميع صورة وجههم القبيح واسترجاع مشروعية غير موجودة ورتق بكارة مفقودة في استعراض للقوّة الغاشمة في وجه مواطنين مدنيين سلميين ذنبهم حملهم لآراء مخالفة ومعارضتهم لما يجري من عبث.
الجزء الثاني من مسرحية الانتخابات المهزلة، الّتي يصرّ الدّعي على إجرائها في ظلّ عزلة خانقة وأزمة طالت جميع المجالات، تتطلّب مثل هذه الشطحات الاستعراضية لاستقطاب بعض المرضى من الدّهماء المتعطّشين لأفلام الرّعب والدم واستثارتهم واستنفارهم عسى أن تتغيّر نسبة المشاركة بما يرضي غروره وأوهامه.
قرابين من الأحرار تقدّم على عتبات المعبد المدنّس قد تتبعها قرابين أخرى ولو كان بمقدوره ومقدور مشغّليه لوضع كلّ ذي رأي مخالف وراء القضبان بل وأبادهم جميعهم كما تباد الحشرات بالمبيدات الكيميائية حتّى لا يبقى رأي سوى رأيه.
في ظلّ هذا المشهد السريالي السوداوي العبثي الضبابي المعقّد تبقى شعلة الأمل متّقدة وعصيّة على من يريد إطفاءها مادام يوجد على هذه الأرض مثل هؤلاء الأحرار والحرائر.
كيف لشمس الحرٌية أن تغيب وفيها شموس مثل شيماء وإيناس وسميرة؟
أخجلتنا ونحن نراقب الأحداث من وراء حواسيبنا في بيوتنا نترشّف شايا ساخنا ونثرثر!
د.محمّد فتحي الشوك