إسماعيل بوسروال
1. انه انقلاب
في شتاء 2022، يعيش المجتمع التونسي أزمة طاحنة على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تتمثل الأزمة، بوجوهها المختلفة، في الانقلاب الذي نفّذه الرئيس قيس سعيّد يوم 25 جويلية 2021، وتوصيف “الانقلاب” أكدته لجنة البندقية ثم المحكمة الأفريقية.
2. عوامل مهّدت للانقلاب
ثمة عوامل ثلاثة وهي :
- الطموح الشخصي للرئيس قيس سعيد من خلال خطبه في الثكنات العسكرية ومن خلال رفضه ختم القانون التعديلي للمحكمة الدستورية وامتناعه عن قبول التحوير الوزاري لحكومة المشيشي.
- الصورة السلبية لأداء للبرلمان حيث ساهمت عبير موسي و مجموعتها في نشر الفوضى في البرلمان بشكل مقرف تشمئز منه النّفوس.
- ضعف فادح لرئيس البرلمان.
لاشك، بالنسبة لي، أن الأستاذ راشد الغنوشي شخصية سياسية عالمية، بالإضافة إلى أفكاره التجديدية في الفكر السياسي الإسلامي والعربي، لكن ممارسته التسييرية للبرلمان بدءا من 2019 كانت لا يستجيب لمتطلبات الوضع حيث ترك (عبير موسي) هائجة مائجة صارخة نائحة،،، وكان عليه وجوبا اختراع الآليات التي توقف “عبثها” وهي ما دفع محيط الرئيس قيس سعيد إلى تكليف شخص يقترب منه في شارع بورقيبة ويهتف (حلّ البرلمان سيد الرئيس) وهي مسرحية وجدت صدى لدى “الغوغاء”،،، استغلها الرئيس سعيّد للإجراءات والتدابير المناقضة لما اقسم عليه من احترام لدستور 2014.
3. التناقض الغريب للكتلة الديمقراطية، داخل الحكومة وداخل البرلمان
تعتبر حكومة إلياس الفخفاخ من افضل الحكومات حيث ضمت قيادات حزبية وكفاءات وطنية وحزبية من الطراز الأول،،، لكن ظهر “بالكاشف” هزال الفكر السياسي لدى كل من التيار الديمقراطي وحركة الشعب حيث تخصص محمد عبو في ملاحقة تجاوزات النهضة زورا وبهتانا بدل محاربة لوبيات الفساد مهما كان لونها أو توجهها، كما تفنّن وزير التجارة محمد المسيليني في مطاردة أسواق من المنتج إلى المستهلك التي ترعاها بلديات النهضة ووزير الحكم المحلي لطفي زيتون.
وتأكد تآكل الفكر السياسي لدى الحزبين حيث أصبحت النائبة سامية عبو تنسّق مع عبير موسي لإعداد لائحة لوم ضد رئيس البرلمان الذي تتقاسم معه مقاعد مجلس الوزراء… مستوى منحط جدا لنخبة سياسية من المفترض أن تتبيّن مسالك الطريق أثناء العواصف والأعاصير.
4. انطلاق متعثر للإنتقال الديمقراطي منذ الأول
ليست النخبة السياسية في 2019 هي السيئة فقط، بل إن الانطلاق الديمقراطي، منذ اللحظة الأولى، عمل كل طرف على زرع الأشواك في طريقه وكانت عديدة ومتنوعة ولكن سأفصّلها تفصيلا، حسب ما أرى:
تحديد فترة كتابة الدستور بسنة (مهمة المجلس التأسيسي) وهو تخطيط هيئة تحقيق أهداف الثورة… في حين أن دستور 1959 تطلبت صياغته ثلاث سنوات.
إمضاء الأطراف السياسية على وثيقة تتعهد باحترام المدة (باستثناء حزب المؤتمر).
إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي كما حدث في 1957… وكانت على شاكلة انتخابات تشريعية عادية.
5. عدم قيام المجلس التأسيسي بما ينتظره الشعب
حصر المجلس التأسيسي دوره في التشريع لتيسير عمل الحكومة وغرق في شؤون التفاصيل ذات الصلة بالدستور ولكنه غاب غيبة مريعة عن القضايا التي قامت من أجلها الثورة وهي التشغيل أساسا ومقاومة البطالة وما تتطلبه هذه المهمة “الرئيسية” من الاستشراف والتصور لمنوال تنموي “ثوري” يحوّل تونس إلى بلد جاذب للشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب والتونسيين.
كما تجاهل المجلس التونسي عدم انسجام حكومة الترويكا وانفراط عقدها بما جعلها (رثّة) حسب وصف د. أبو يعرب المرزوقي الذي كان احد أعضائها ثم استقال.
يجب الاعتراف بان دستور 2014 كان جيدا، حسب رايي، وجاء نتيجة توافقات حظيت برضا أغلبية الطيف السياسي.
6. دور تخريبي لاتحاد الشغل
لا يخفى الطابع الأيديولوجي للعمل النقابي بعد 2011،،، حيث وضعت المنظمة النقابية نصب عينيها تعطيل الترويكا والنهضة ولو أدى ذلك إلى “تخريب” البلاد، مدارس ومعاهد ومستشفيات وفسفاط ونقل و… و…
إن اتحاد الشغل مسؤول مسؤولية مباشرة على الانهيار الاقتصادي ووجبت “محاكمته” سياسيا وإعلاميا وفضح توجهاته الانقلابية الفاشية منذ تأييد انقلاب السيسي في مصر تأييدا منقطع النظير في العلاقات الدولية.
7. خيبة امل في “مشروع” الباجي قائد السبسي وحزب نداء تونس
علّق كثير من التونسيين آمالا لا حدّ لها على الباجي قائد السبسي واعتبره بعضهم (مبعوث العناية الإلاهية) ليعيد بناء تونس الجيدة على نهج الزعيم الحبيب بورقيبة… لكنه نكص على الأعقاب وسخّر موقعه وعلاقاته وحزبه لتوريث ابنه حافظ رئاسة الجمهورية والبقاء في قصر قرطاج.
8. معضلة وصول قيس سعيد للرئاسة
كان فشل النخب السياسية وتفاهة الأداء الإعلامي ورداءته خطان متوازيان أديا إلى وصول قيس إلى الرئاسة… كانت مغامرة… وقادت إلى انهيار اقتصادي وتفكك سياسي واحتقان اجتماعي نتيجة غلاء المعيشة وتعقد الأوضاع.
إن النخب السياسية والإعلامية والثقافية مسؤولة عن الأوضاع الحالية وعليها أن تعترف بفشلها الذريع… وبالتالي تتراجع إلى الوراء وتفسح المجال لوجوه جديدة تقود الشعب التونسي نحو أفق الحرية والكرامة الوطنية.