سامي براهم
وقف في محطّة المترو ساعة من الزّمن وقت الذروة “عودة أبناء وبنات الشعب الكريم لأحيائهم”… يفلت عددا من الرّحلات بسبب امتلاء المركبات بشكل يعسر معه امتطاؤها…
ثمّ يقرّر في الأخير أن يخترق الكتل الجسديّة المتزاحمة ويحشر جسده وسط ذلك الموج المتلاطم الذي يتدافع مع حركة المترو…
يقذف به الزّحام وسط العربة ويبقى في حالة ترصّد لأسماء المحطّات حتى لا يفلت محطّة نزوله…
قبالته سيّدتان تنعمان بالجلوس تشكوان من همّ الزّمان وغلاء الأسعار وصعوبة العيش… ثم لفت انتباهه تطلّعهما إليه ووشوشاتهما التي تناهت إلى سمعه :
عرفتيه… موش هذاكة الي جابوه في التلفزة آك العام ؟
لا هذاكة الي كان وزير…
لا يا بنتي الوزير نعرفو موش هوه… أما يشبهوا لبعضهم
تذكرتو… مشو كلّي حكى على التعذيب وبكّى التّوانسة
هذاك هو غير ولا عنده الشيب
تي هاو طالع معانا في المترو ياخي وفات فلوس التعويضات
ريتي ماو الحرام ما يثمرش
حتى أنت قداشك بوهاليّة هاذمكة خبّوهم ويتلفوا في الجرّة
ما تخافيش الرّئيس إلا ما ينقرهم بالواحد بالواحد
وتواصل حديثها عن النهب والسّرقة والإثراء والممتلكات والاحتكار وإفلاس البلاد وهو لا يلتفت ولا يحرّك ساكنا… برود تامّ كأنّه ليس المعنيّ بحديثهما… فقط كان يخشى ضياع المحطّة وأن تقع عيناه على عيونهما… لم يجد أيّ رغبة أو حماس لأيّ ردّ أو توضيح أو تفسير أو دفاع…
ربّما كان يخشى الشّوشرة وربّما كذلك كان يدرك أن عشريّة القصف الإعلامي اليومي صباحا مساء ويوم الأحد قد خلقت ضحايا سرديّات مختلقة وحقائق كاذبة لكنّها راسخة بشكل لم يعد من المغري دحضها…
أشفق عليهما وتحفّز لسحب جسده من الكتلة البشريّة المتلاصقة استعدادا للنّزول… ففي انتظاره مسافة أخرى على الأقدام للوصول إلى حيث يمدّ رجليه ويرتّح فخّار ربّي…