لن نكلّ في ذلك و لن نملّ
فتحي الشوك
استيقظت باكرا، تأنّقت وتعطّرت واتّجهت مباشرة إلى محطّة سيّارات الأجرة لأستقلّ إحدى السيّارات وأخلد إلى النّوم مجدّدا قطعته مرّتين على وقع صوت السّائق وهو يطلب منّي بطاقتي الشخصية ليدلي بها إلى أعوان الشرطة، كانت التضييقات منتظرة ومتوقّعة بل كنت اعتبر أنّ مجرّد وصولي إلى شارع الثورة نجاحا، بعد استراحة قصيرة في مقهى احتسيت خلالها قهوة سريعة وأشعلت سيجارتي الأولى، وصلت قبالة المسرح البلدي وكانت أعداد المتظاهرين لحظة وصولي اقلّ بكثير ممّا كنت أتوقّع ليستقبلني صديق رفيق وقد تفاجأ بوجودي في ذاك الموقع وكأنّي في المكان الخطأ!
كانت الشعارات المكتوبة على اليافطات أو التي تطلقها الحناجر هي نفسها التي ترفع في المظاهرات المناهضة للانقلاب الّتي حضرتها تقريبا جميعا وعددها 22 ما عدى شعارين لأهمّ بالتّراجع وأفكّر في الانسحاب لولا أن سقط بجانبي شاب مغشيّا عليه لأنغمس في إسعافه على وقع أغنية “يا غنّوشي يا سفّاح يا قتّال الأرواح” ولأتمّ العملية بنجاح واكتشف أنّني لم أكن حقيقة في المكان الخطأ!
تضاعفت أعداد المتظاهرين بعد أن نجحت الحشود في المرور على عكس السّنة الفارطة لتتواجد في شارع الحرّية والإحتفال بذكرى الثورة المغدورة.
“في السنة المقبلة لن تجدون سوى واحدا يحتفل بالرّابع عشر من جانفي” هكذا تمنّى من أراد أن يطمس هذه الذكرى، ذكرى ثورة ينكرها ولم يشارك فيها، فكانوا بالآلاف ومن جميع الأطياف.
وبالرّغم من العقد الأيديلوجية والحسابات الضيّقة لدى البعض فإنّ مجرّد وصول المتظاهرين إلى شارع الحرّية وتظاهرهم في نفس المكان برغم اختلافاتهم يعتبر في حدّ ذاته نجاحا وإنجازا في انتظار أن يعي الجميع بما تتطلّبه خطورة اللّحظة من ضرورة تناسي الألوان والالتفات إلى ما تتطلّبه من استحقاقات هي بالأساس اجتماعية واقتصادية قبل حصول الإنفجار المدمّر الّذي لن يستثني أحدا.
بالأمس اثبت الحاضرون بأنّ نور الثورة في قلب تونس مازال حيّا وأنّ الثورة الّتي اندلعت لتنجح، لها نجاحات وانتكاسات وموجات، مستمرّة وتنبض بالحياة، مادامت أسبابها ماتزال قائمة ومادام مازال يوجد على هذه الأرض من مازال يؤمن بها.
الثورة فكرة والفكرة عصيّة على الموت.
بعض الغربان وعرّابي الانقلاب البائس منتشون لمجرّد استمرار النّظام القائم بعد مثل هذا الحراك، والجميع يعلم أنّ هذا النّظام الميّت سريريا والمعزول محلّيا ودوليّا لا يملك مقوّمات الاستمرار وأنّ مسألة إعلان موته ودفنه هي مسألة وقت وترتيبات، وأنّ مثل هذا الحراك هو لفرض أجندة وطنيّة حتّى لا تترك السّاحة شاغرة ومهيّأة لما يطبخ في الغرف المظلمة.
وماذا بعد؟ وما الحلّ؟.. سنستمرّ في المقاومة السلمية لأجل أنفسنا ولأجل مستقبلنا وخصوصا لأجل أبنائنا الّذين لا نريد لهم أن يتذوّقوا مثلنا ما تذوّقناه من ذلّ… لن نكلّ في ذلك ولن نملّ.
د. محمّد فتحي الشوك