ريبوت الغباء الاصطناعي
فتحي الشوك
حتّى من ارنستو شي غيڤارى وهو سجين إطار معلّق أعلى الجدار استفزّته كلماته السّمجة القميئة وتململ وهو يستمع إلى حواره ونطق “الكلمات الّتي لا تنطبق على الأفعال هي كلمات غير مهمّة ولا بدّ أحيانا من لزوم الصّمت ليسمع الآخرون فالصّمت فنّ عظيم من فنون الكلام”.
وهل مازال هناك في زمن التّفاهة والرّداءة من يستمع إلى صوت الحكمة ويتذوّق الفنّ وتطرب أذناه لأمّ كلثوم وفيروز ويرقص مع زوربا ويرتعش جسده مع بوب مارلي الّذي انتحر مرّة أخرى وهو يشاهد هذه المسرحية الرّكيكة السّخيفة المكرّرة المعادة كاسطوانة مشروخة، “لا وجود لأزمة!.. الحليب متوفّر وكذلك الزّيت والسكّر.. كانت متوفّرة في الستّينات فكيف تغيب في هذا الوقت بالذّات؟”، هكذا برّر وهو يرتشف القهوة من فنجانه المذهّب في إحدى غزواته لإقناعنا بأنّ الأسود أبيض!
فعلا أقنع وأفحم وجعل صورة شي غيفارا تنطق وبوب مارلي ينتحر مرّة أخرى بعد أن انتحر المنطق، وشابّ صدمه المشهد وقد انبعثت من نظراته أسئلة التعجّب، هل هذا كائن يعيش بين ظهرانينا على هذه الأرض في هذه المجرّة في هذا الزّمن التّعيس “الأغبر”؟
أتراه له عقل ويفكّر؟
أم هو ريبوت تالف صنيعة الغباء الاصطناعي المركّب؟
إلى حدّ السّاعة وإلى قيام السّاعة يصرّ إلحاحا على أنّ ما يجري هو مؤامرة، كذب وإشاعة!
فلا تصدّقوهم وصدّقوه وهو الصّادق الصّدوق المبعوث لإنقاذنا والإنسانية جمعاء من الواقع التّعيس لننعم بسعادة خام تنعش النّفوس وتذهب عن الرّؤوس وجعها وصداعها!
وهو المخلّص من الأشرار والمطهّر للأوطان من ضباعها !
لا تصدّقوا الأحزاب ولا المنظّمات ولا الأكاديميين ولا الخبراء والمراقبين محلّيين كانوا أو دوليين، فكلّهم متآمرون يسعون لخراب الوطن وضياعه، لا تصدّقوا أعينكم ولا أذانكم ولا بطونكم ولا تستمعوا إلى وسوسة عقولكم، لا تصدّقوا واقعا تعرّى وصار خبرا تفشّى دون حاجة إلى نشر صحيفة أو بثّ في تلفاز أو إذاعة!
المطلوب فقط أن تستمعوا إلى ما يودّ “الزّعيم” سماعه!
لا داعي للقلق، لا وجود لأزمة كلّ شيء على ما يرام وتحت السّيطرة وسيتمّ العبور وما عليكم سوى الإستكانة وإظهار المزيد من الولاء والطّاعة، إلزموا أماكنكم واربطوا أحزمتكم وليتفقّد كلّ منكم زاده ومتاعه، فالعلوّ شاهق ونهاية الرّحلة بدأت تتراءى والثقب الأسود يفتح فاه مستعدّا لاستقبال الوافد الجديد والرّيبوت التّالف المتشبث بالمقود يصرّ على أن يكمل رحلة العبور إلى مستقبل لا عودة منه وهو يردّد لا تهتمّوا ما ترونه ليس بثقب أسود فكلّ المظاهر خدّاعة!
مسكين ذلك الشّاب الّذي أجبر بالصّدفة على مشاهدة رئيس الصّدفة، هذا الرّيبوت التّالف المسكون بجنون العظمة، في مسرحية سخيفة تعيسة ككلّ مرّة، ومسكين ذاك الّذي سانده من قبل وصار يتباكى ويتشكّى من أن “الزّعيم” لا يستمع إلى أنصاره، وهل هناك ريبوتا يستمع إلى نصيحة؟ ما يحتاجه تعديل برنامج أو إبدال شريحة وإن تعذّر فنزع بطارية الشّحن وتلك هي الحلول النّاجعة الصّحيحة، والأمر مستعجل ولا يتحمّل التّأجيل قبل أن يبتلعنا الثقب الأسود جميعا وقبل ذوبان الوطن وضياعه.
د. محمّد فتحي الشوك