أبو يعرب المرزوقي
تعددت المبادرات وتعارضت المواقف منها. لكني لم أعلق إلا على صديق (أديب) وصديقة (محامية) اخترتهما بالذات لأنهما كانا واضحين حول إشكالية الموقف ولأني متيقن من صدقهما وعدم اللعب بالقيم في موقفهما.
لذلك فقد اعتبرت موقفهما المشترك دليل حيرة لعدم الذهاب بتحليل الأزمة إلى غايتها التي تمكن من علاجها بدلا من درء الاعتراف بمكوناتها كلها دون مفاضلة تفقدها موضوعية التحليل ومن ثم فاعلية التشخيص المناسب:
أولا ممن ساندوا الانقلاب بعد أن كانوا ضده.
ثم ممن ساندوه مساندة المشاركين فيه.
ثم ممن دعموه بعد إعلانه عن حربه على منافسيهم السياسيين.
ثم موقف المنقلب الذي صار أمرا واقعا لا يمكن تجاهله.
وأخيرا وهو عندي اصل كل المشكل اعني ممن نسياهم وهم ذوو المسؤولية الأخطر في نجاحه وقدر دوره بالتناسب مع قدر ناخبيه.
كان تعليقي منصبا على عدم فهمي معيار التمييز بين هذه الأصناف الخمسة وعلة المفاضلة بينهم وخاصة هذا النسيان.
فلا المعيار ولا العلة تمكن من موضوعية الحكم النزيه لتأسيس مفاضلة بينهم تمكن من استثناء أي منهم.
ما داموا جميعا شركاء في النكبة نفسها بدرجات مختلفة لكن تجمعها هو علة ثمرتها التي هي ضارة بمستقبل البلاد والعباد.
لذلك فعندي أن الأمر ينبغي أن يتخلص من المفاضلة بين المبادرات وبين الدستورين السابق واللاحق على الانقلاب.
فهذه معطيات وقائع الحال التي يمكن تجاوزها بعد الاعتراف بها ووصلها بالحكم المشترك المتمثل في التسليم بفشل الانقلاب وإن اختلف تقييم مقدار الفشل رغم الاتفاق على خطر الأزمة القاتلة.
فهم جميعا يعتبرون الرجل قد فشل من منطلق عدم تحقيقه ما كانوا ينتظرونه منه سواء كانوا مع الانقلاب أو ضده.
وبذلك نكون أمام صفين لا اكثر وهما عين الصفين اللذين أديا إلى الأزمة. والأزمة بينت أنهما كلاهما انتهيا إلى اكتشاف التناقض في موقفيهما:
فالذين ظنوه معهم بإطلاق أوصلوه إلى التأله لما مكنوه من 72 في المائة من الأصوات ثم صاروا يستسهلون شطبه بحطه تضاؤل هذه النسبة.
والذين احتاجوا إليه لتخليصهم خصومهم اعترفوا بفشله لأنه لم يحقق لهم ما انتظروه منه استسهلوا النجاح إذا طبق وصفتهم.
لكنهما كلاهما ما يزالان في غيهما وهواهما لأنهما لا يريان تناقضهما: فالمنقلب صار جزءا من واقع الوضعية كما هو عليه ولا يمكن شطبه أو تعديله:
فلا الصف الأول يمكن أن يشطبه.
ولا الصف الثاني يمكن أن يعدله.
ومن ثم فلا بد من البحث عما يخرج الصفين من هذا التناقض دون اشتراط شطبه أو تعديله.
وهو امر يسير لو أن المبادرة تعلقت برد الأمر إلى صاحبه: فلتعرض المبادرات على الاستفتاء وليقرر الشعب ليس أي الصفين يختار بل أي حل يمكن أن يخرجهما من التناقض فيجعل العلاج مبنيا على المشترك بين مبادرات الصفين:
هل يقبل الشعب المحافظة على الفشل بعدم تجاوز مرحلة “أمراء الحرب” السياسية والمدنية الذين يخولون لأنفسهم التقرير بديلا من الشعب.
وهل يقبل الشعب بشروط النجاح التي تخرج البلاد من ازمتها وتتمثل في تجاوز التناقضين في كلا الصفين ثم بين الصفين معتبرين المنقلب احد عناصر من يريدون تعديله وضد من يريدون شطبه.
فهذان التناقضان هما ما يحول دون الحلين إذا بقيا منفصلين: المنقلب ومن يريدون تعديله صف أول ومن يريدون شطبه صف ثان. وذلك هو المطلوب من الشعب حسمه بالاستفتاء.
فيقتضي الحل الذي سيختاره الشعب أن يقبل الصف المنافي لقرار الشعب الخضوع للحل الثاني أو لحل وسط بين الحلين فيكون ما يريده الشعب نهاية الفصام الحالي:
الشعب حكم بعد بفشل مشروع المنقلب وإن بنسب مختلفة.
الشعب حكم بأن الدولة تحتاج إلى إعادة التأسيس ومن ثم كتابة دستور يتجاوز مثالية الأول وغباء الثاني.
وذلك بشروط الخروج من الأزمة. ولا أحد في هذه الحالة يمكن أن يكون حكما بين الفرقاء غير ما يقرره الشعب في استفتاء على القبول بما يشبه إعادة التأسيس المتجاوز:
للدستور الذي أصل البلاد إلى النكبة وهو ما حذرت منه وكنت اعجب ممن كان يتصوره افضل دستور في العالم لأن اصحابه تصوروا الشعارات قابلة لأن تعوض الوقائع.
وللدستور الذي نتج عن النكبة التي اوصل إليها الدستور السابق والذي هو جزء من وقائع المشكل ولا يمكن ادعاؤه مشطوبا أو ادعاؤه قابلا للعيش بشطب الدستور السابق أو بشطب بعضنا البعض.