أبو يعرب المرزوقي
متى تتوقف الأخطاء التي لا تغتفر وكل زلة مثلها ببعير. فآخرها هو تفضيل التخلي عن دستور الثورة للمحافظة على كرسي ضرره أكثر من نفعه: خطأ اقتراح سد الشغور بقاض بديل من الغنوشي بعد استقالته.
لما اقترحت استقالته وتعويضه بالنائبة لاعتقادي أن وجوده يحول دون نصاب عزل المنقلب بصورة شرعية كما يحددها دستور الثورة ليسد فراغ الرئاسة إذا عزل الدمية لم يكن قصدي الحط من شأنه بل المحافظة على الدستور.
اقتراحي بعكس ما قد يكون فهمه المطبلون للغنوشي لكأن النهضة ينبغي أن تذهب ريحها للمحافظة على قيادة فشلت في كل خياراتها. اقتراحي يعتبر فرصته ليتدارك أخطاء سابقة لا تغتفر سأحاول تعدادها وقد سبق أن حذرته من بعضها لما كان بيننا لقاءات.
واسقالته لن تفقده صفته النيابية وخاصة إذا استقال من رئاسة الحركة ليفرغ لعمل أهم تحتاج إليه حركة النهضة عندما يصبح “مفكرها” و”مستشارها الرمزي” كما فعل الجنرال ديجول لما شعر أن الأولى به المحافظة على دوره الرمزي.
ما بال العرب يحتقرون الدور الرمزي: كلهم يريدون السلطان حتى بعد أن يفقد جمعه بين الدور الجامع. لو عاند ديجول لمات تياره معه. لكنه فضل الانسحاب للحفاظ على دوره الرمزي فبقيت الحركة وازدادت قوة.
فكل حكام العرب يعلمون أنه لا سلطان لهم في المحميات إلا إذا كان السلطان عندهم عديم العلاقة بالسيادة فيكون مجرد القدرة على اضطهاد الشعوب ومنعها من أن تكون حاكمة نفسها: رئيس أو ملك عربي اقل سلطان من أي رئيس أو ملك غربي يقدم الرمزي على وهم السلطان.
ولما صرت واثقا من أن تونس لن تستقر ولن تقوم لها قائمة إذا لم ترحل القيادات التي ساندت الدمية فأوصلته إلى الرئاسة والقيادات التي ساندت بعدها بقاءه نقمة في التي ساندته في البداية وطمعا في مقاسمته التفرد بالسلطان الذي يلغيهم.
فهؤلاء النوعان من القيادات أفلسوا سياسيا وحتى خلقيا لأني لم اسمع أحدا منهم قام بنقد ذاتي صادق قد يشفع له عند الشعب لأن الخطأ ليس نادرا في السياسة. لكن علاجه هو في التدارك بتجديد القيادات حتى لا تموت الأحزاب مع فشل القيادات.
ولأعدد الآن الأخطاء التي لا تغتفر:
الأولى هي تفضيل الحلف مع ابن جعفر والمرزوقي من دون حرز لا يعطيهم حق الثلث المعطل باستبعاد البديل الذي وفرته الانتخابات أي تحطيم الحزب الثاني.
وقبل الأخيرة من جنسها أي تفضيل الحلف مع البسكلات والبراميل بدل الحلف مع القروي الذي أخذ منه الموافقة على انتخاب الغنوشي للمجلس وأهمل حتى حصل له ما حصل للعريضة.
وبينهما ثلاثة أخطاء لا تغتفر لسياسي من المفروض أن يكون محنكا وحكيما:
- الأولى عدم التعاقد مع السبسي والمشاركة ككمبارس بدل البقاء في المعارضة التي لو فعلها لصار السبسي يجري وراءه لأنه لا يجهل أن اليسار والقوميين كانوا يريدون ومعهم الاتحاد ليكون مصيره مصير بورقيبة مع ابن علي.
- الثانية هو حلفه مع الشاهد ضد السبسي متوهما أن من غدر بالسبسي لن يغدر به وقد غدر به فجعله يقبل بهذا الكرسي الذي أنهى حياته السياسية لما اضطره إلى ركوب قطار الدمية لاستبعاد الشيخ مورو.
- الثالثة هو المشاركة في حكومة الفخفاخ أي القبول ببداية إلغاء الدستور بالقبول بحكومة الرئيس ومسرحية المشاورة بالمراسلة وتعيين بائع زبلة إيطاليا ليلا بهاتف للدمية ممن كب على كتفيه.
وتلك هي الأخطاء التي لا تقبل من سياسي لم يفهم حاجته إلى الراحة بعد مثل هذه السقطات التي نزلت بقاعدة الحركة إلى أقل من ثلثها مع تفتيتها إلى الحالي الذي قد يتزايد.
ألا يفهم أن حل القاضي لسد الشغور يعني إنهاء دستور الثورة لأن الاستغناء عنه في تعيين من يسد الشغور دون أي أساس دستوري يعني أن الحلول الموالية لن تكون بالعودة إليه بل البديل عنه سيكون دستور من يربح الانتخابات السابقة لأوانها.
فالثابت من سينجح لن يقبل بالعودة إلى ما قبل الانقلاب بل سيكون انقلابا عليه باسم الثورة ولكن لتحقيق ما هو أسوأ من برنامج الدمية الذي لن يسقطه إلا حمقه وقلة حيلته في حين أن القادم سيحقق لمن اختار الدمية بديلا اشطر واكثر “شيطنة”.
اعلم أن كلامي لن يعجب كل المتربصين بالثورة وخاصة من يدعون معارضة الدمية باسم جبهة الإنقاذ: فكل تاريخ قياداتها الأبرز لا يمكن أن يكون ممن يوثق في نواياه التي يسهل معرفتها بقراءة منطق طريقته في المعارضة.
ما أراه ليس رغبة في استئناف المسار الديموقراطي لأن المنافسة الجارية حاليا هي منافسة بين من هم مستعدون للكب على أكتاف فرنسا وإيران ومعهما إسرائيل ورأي الشعب التونسي مبعد لأنه لا يعتبرونه أصل الشرعية التي يغنيهم عنها رضا فرنسا وإيران وإسرائيل.