في الجدل السنوي حول الاحتفال بالكريسمس/نوال..
محمد بن جماعة
1.
تخيّل أصدقاء شباب كنديين غير مسلمين يعيشوا في مونتريال، ولا علاقة لهم بالتدين ولا بالإسلام.. يجي شهر ذو الحجة ويحبّوا يلبسوا الجبة والاّ العباءة متاع المسلمين، ويحتفلوا بالحج متاع المسلمين..
شنقولوا عليهم؟
نقولوا: خارجين عن سياقهم الثقافي، ومنظرهم غريب..
نفس الشيء بالنسبة للشباب التونسي إلي عايشين في تونس، ومسلمين، ويحتفلوا بالكريسماس (نوال) من خلال لباسهم أو طبخ الديك الرومي..
التقليد إهانة للذات..
أنا وعايلتي عايشين في كندا من قرابة العشرين سنة.. وصغاري عمرهم ما عملوها، رغم أنهم تولدوا وعاشوا في كندا..
تحبوا تضيفوا مظاهر احتفالية لحياتكم؟ اعملوها في العيد الصغير والعيد الكبير والمولد.. ابتكروا وجدّدوا في الاحتفالات.. ولكن مع الحفاظ على مقومات انتمائكم وهويتكم، بدل حالة الاستلاب التي تظهرونها للناس..
2.
تكون في تونس، وتحب تقلّد المؤسسات الغربية الي تعمل احتفال، بمناسبة عطلة آخر السنة (Party de Noel) ؟
إيه، فكرة جيدة أنك تنظّم لأعضاء فريقك مناسبة للقاء الاجتماعي والترفيه والمرح.. ولكن هل من الضروري تقليد الوسائل والأشكال في كل شيء، حتى لو كانت خارج سياقها الثقافي؟ موش يتسمى هذا غباء ثقافي؟
نحكيلكم على 3 أو 4 قصص:
- في كندا، الهيئة الي نعمل فيها حاليا، نظمت مؤخرا حفل آخر السنة.. شارك فيه عدد من الموظفين (بعضهم مسلمين)، وتمت في أجواء مرح..
أنا اعتذرت عن الحضور لأن هذا النوع من الأجواء ما يعجبنيش.. ولكن ما خذيتش الموضوع من جانب ديني.. فقط اعتذرت عن الحضور بدون إبداء الأسباب (وهنا في كندا، يحترموا رغبة الأشخاص بدون دخول في الأسباب).. - وكنت يومها في لقاء عمل مع صديقي الكونغولي (في منصب رفيع بالهيئة، متدين مسيحي، عاش حياته كاملة بين فرنسا وكندا، ومتزوج بفرنسية)، فحدثني أنه لا يحضر مثل هذه المناسبات، لأنه لا يشرب الخمر (تديّنًا)، ولا يحب حفلات التنكّر، ولا يستطيع البقاء في جلسات مطولة للفدلكة والتفاهة..
فقلت له: نحن متفقان تماما، وفي هذا لا نحتاج لذكر مبرراتنا الدينية، أو اختلاق الأعذار.. أنا مثلا لا أبرر امتناعي عن شرب الخمر والكحول بأسباب دينية.. هو اختيار شخصي.. ولا أحد يحق له أن يستغرب من اختياري الشخصي.. تماما مثلما أن الجميع يقبل بوجود حساسية (Allergies) تجاه بعض الأطعمة، يجب قبول أن البعض لا يشرب الخمر، ولا يدخّن السجائر.. - في المقابل، لدي أصدقاء كيبيكيون، بعضهم كبار في السن، تعرفنا عليهم في سياقات وظيفية، منذ حوالي 15 سنة، واستمرت العلاقة الوطيدة.. نلتقي بهم سنويا في “عشاء آخر السنة”، ونتبادل فيه أحيانا بعض الهدايا.. وفي كل مرة، يحصل بيننا حديث حول قضايا مختلفة، من حياتنا اليومية وأنشطتنا.. وينتقل الحوار من حين لآخر حول تنوعنا الثقافي، ومعتقداتنا الدينية.. وكانت المرأة وزوجها لا يتحرجان من شرب الخمور في لقاءاتنا.. وكنا نقبل ذلك، مع حوار بسيط حول أسباب امتناعنا عن ذلك..
وفي عشاء الأسبوع الفارط، التقينا، وفوجئت بأن المرأة امتنعت عن طلب الخمر، وطلبن (في جو مرح) من زوجها الامتناع أيضا.. ولكن زوجها أصر على ذلك.. فقالت له: محمد لا يحب الخمور على الطاولة، لديه حساسية منها..
فعلقت قائلا: اتركيه، ليست لدي حساسية منها.. أنا فقط لا أشربها..
وفعلا، امتنعت هي عن الشرب.. بينما الرجل (كان إلى جانبي) بقي يشرب ولاحظت أنه في كل مرة يحادثني كان يضع يده على فمه، بشكل خفي، وفهمت لاحقا أنه كان يتحنب وصول رائحة الخمر إليّ.. ولكن بدون أن يصل الوضع إلى حالة حرج بيننا.. - لم أحتفل ولو مرة واحدة بالهالويين، لا في البيت ولا في الحي، ولا في العمل..
ولكن منذ سنتين، طُلب منا في العمل أن نلبس شيئا خاصا بمناسبة الهالويين، والبقاء كامل اليوم بهذا اللباس في لقاءاتنا الأونلاين على Teams.
ومن باب المشاركة المرِحة، لبست الجبة التونسية (نشرت الصورة سابقا في الفايسبوك).. وكان الموضوع موضوع للحوارات الجانبية كامل اليوم..
ورأيي أن هذا نوع من الالتزام والاعتزاز بالهوية والخصوصية الثقافية، التي يجب على الآخرين أن يقبلوها، كما تقبلهم أنت بخصوصياتهم الثقافية..
لستُ في حاجة للخروج من جِلدِي كي يقبلني الآخرون..
•••
أطلت في ذكر هذه القصص، لأن الموضوع يتكرر سنويا في أعياد المسيحيين، والهالووين، وفي أعياد المسلمين وفي المولد النبوي.. ولا يكف البعض عن طرح الموضوع بحدة من باب الحلال والحرام.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ويستدعي الفتاوى، وخطاب التحذير..
في حين أن هذا الطرح هو داخل ضمن حوارات الهوية الثقافية والدينية، ومتعلق باحترام التنوع الثقافي والديني.. ويمكن أن نصل فيه لتعايش واحترام متبادل، بدون قطيعة وخلق جُزُر متباعدة في العلاقات الإنسانية..