سامي براهم
في زمن الهستيريا الأمنية لنظام ما قبل الثورة انتشرت قصص الحفر الوهميّة حتّى أصبحت مصدر إغراء للأمنيين تسيل لعاب من يطمحون لترقيات سريعة… حيث كانت الوشايات المغرضة تشيع معلومات عن إخفاء منتمين سياسيين أسلحة في حفر مطمورة في جدران المنازل أو تحت البلاط أو أرض الحديقة… وكان الأمن يعمد لمداهمة بعض المنازل بشكل مشهديّ والحَفْرِ في الأماكن المشتبه طمر السّلاح فيها…
بل وصل الأمر إلى حدّ أصبح فيه من يتعرّضون للتّعذيب الشّديد يلجؤون لاختلاق قصص حفر في حديقة المنزل أو في مكان آخر للتخلّص من التعذيب قليلا… فتستنفر جوقة الأمنيين ويصطحبون الموقوف مرفوقين بالمصوّرين الذين سيوثّقون الصّيد في اللحظة الفارقة التي تسفر فيها الحفرة عن مطموراتها من السّلاح…
فيحفرون في المكان الذي يعينه الموقوف لكن دون جدوى… ربّما نسي الموقوف تحديد موضع الحفرة بدقّة… وتتكرّر عمليّة الحفر كلّما أشار إلى موضع آخر وسط ترقّب للمفاجأة وتحفّز لتوثيقها بالصّوت والصّورة… لكن تكون خيبة الانتظار كبيرة عندما يعلمهم الموقوف أنّه اختلق القصّة فرارا من التّعذيب التي سيقع استئنافه بكلّ شراسة بعد الخديعة…
قصص كثيرة يعرفها ضحايا الاستبداد عن حفر وهميّة تكشف المنطق الأسطوريّ الذي يتحكّم في العقول السلطويّة التي تبحث عن مؤامرة في جدار أو تحت الأرض لتبرير سلوكها السّلطوي وتنكيلها بضحاياها لعلّ الجلّاد نفسه يصبح هو الضحيّة !!!