عبد السلام الككلي
أعلن معهد الفنون بالعمران، الإثنين 5 ديسمبر 2022، أنّه قد تقرّر طرد التلميذة نور عمار، التي تدرس في السنة الثالثة إعلامية اختصاص موسيقى نهائيا.
وجاء هذا القرار بسبب فيديو نشرته التلميذة على صفحتها وصفت فيه أستاذ المسرح مهذب الرميلي بالصفر وبلا أخلاق (قال الأستاذ الرميلي أنها في الأصل ليست تلميذته وهو قبلها في فصله على سبيل الفضل لا أكثر) وتعقيبا على ممارسات قالت أنها أضرت بالتلاميذ الذين يدرسون عنده في نفس المعهد.
وتداول نشطاء التواصل الاجتماعي الحدث ووصفوا العقوبة التي منيت بها التلميذة «الفنانة» نور عمار بأنها عقوبة قاسية وغير متناسبة مع ما اقترفته، واعتبر البعض أن في الأمر انتهاكا جسيما للحق في التعليم، وذكّر البعض الأخر بأن «هذا الحق يتمتع من خلاله التلميذ بحصانة من الطرد النهائي حماية وصونا له وتكفله المعاهدات والدستور»، وأكد المندوب الجهوي للتربية بتونس 2، محمد القوزني، أن موضوع الطرد النهائي للتلميذة نور عمار المرسمة بالسنة ثالثة إعلامية اختصاص موسيقى محط اهتمام من طرف المندوبية ومن قبل وزير التربية شخصيا. وتابع في تصريح صحفي أن مجلس التأديب اتخذ قراره بطرد هذه التلميذة لكنه لم يطلع بعد على فحوى القرار، قائلا “كما نحافظ على كرامة الأستاذ نحفظ قيمة التلميذ”. كما عبّرت صفحة المعهد في التدوينة التي نشرتها عن أسفها لقرار الطرد النهائي الذي تمّ اتخاذه من قبل مجلس التأديب وجاء في نصّ التدوينة ”نور عمار” فنانة متميّزة وطموحة نتمنى لها التوفيق في دراستها ومسيرتها الفنية”.
وفي ذات السياق عبّرت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط، في بيان لها الثلاثاء 6 ديسمبر، عن تضامنها الكامل مع التلميذة التي تقرّر طردها نهائيًّا من معهد الفنون بالعمران، مُؤكّدة أنّ «لا شيء يبرر حرمان التلميذة من حقها الطبيعي والدستوري في التعليم»، مُطالبة إدارة المعهد بمراجعة قرار مجلسه وتخفيف العقوبة.
وفي تصريح صحفي الأربعاء 7 ديسمبر 2022، أفاد اليعقوبي الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي «أنّ سلوك نور عمار كان خاطئا بنشرها فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي للحديث عن أستاذها» وصرّح قائلا «هذه سلوكيات خاطئة وتحتاج بالضرورة إلى العقاب».
وأضاف اليعقوبي «أنّ ما حصُل كان يستحق العقاب مشيرا أنّ مجلس الإدارة «سيّد نفسه» وارتأى أن تكون العقوبة بذلك الشكل.» وقال ايضا انه من «الأحرى أن يذهب الجميع إلى الحديث عن تخفيف العقوبة وربما إمكانية إعادة النظر فيها خاصة بعد أن قامت التلميذة بالاعتذار وهذا مؤشر إيجابي من الممكن البناء عليه عوضا عن طرح جدل يُعمق الأزمة داخل المؤسسة».
قضية رأي عام
لقد اتخذت هذه الحادثة أبعادا تتجاوز بلا شك مجرد طرد تلميذ أو تلميذة من معهد من معاهد الجمهورية وهو أمر يقع بشكل مطرد وفي كل الأوقات دون أن يعلم بذلك احد ودون أن تتدخل وسائل الإعلام في القضية لتنفخ نار الفتنة فيها. لقد اتخذ قرار معهد العمران شيئا فشيئا بعدا سياسيا فالأستاذ المعني بالقضية مسرحي أصبح شهيرا بفضل الدور الذي لعبه في مسلسل «حرقة» كما أصبح معروفا بمواقفه السياسية المعارضة لإجراءات 25 جويلية أما التلميذة فهي أيضا بحسب ما أورده المعهد في شبه اعتذار عن عملية الطرد موسيقية لها هي أيضا حضور إعلامي تلفزي وإذاعي.
في القانون المدرسي
مثلما هو الأمر في الوقائع التي تستجد في هذه البلاد نصطدم على الدوام بجهل بالقانون.. إن من يستمع أو يقرأ ما يقال أو يكتب حول هذه الحادثة يعتقد أن معهد العمران قد ابتكر عقوبة الطرد من المعهد أو كان سلوك التلميذة المذكورة لا يبيح للمعهد اتخاذ القرار الذي اتخذه. فما معنى القول انه «لا شيء يبرر حرمان التلميذة من حقها الطبيعي والدستوري في التعليم ؟ هل اطلع من كتب هذا الكلام على القوانين والأوامر والمناشير المنظمة للحياة المدرسية ؟. وهل من حق التلميذ التصرف وفق ما يشاء وان يظل رغم ذلك يتمتع بالحق الدستوري في التعليم ؟ أم من الواجب ان نلغي كل النصوص التشريعية في الغرض ونحتكم إلى الدستور الذي لا شك انه لا يبيح العنف والاعتداء على الغير كما يضمن الحق في التعليم ؟
فلنذكر هنا ببعض المعطيات :
«خلية التوفيق المدرسية»
ينص الفصل 24 من الأمر عدد 2437 لسنة 2004 مؤرخ في 19 أكتوبر 2004 ويتعلق بتنظيم الحياة المدرسية على أن تعمل إدارة المؤسسة التربوية وكل الأطراف المتعايشين داخلها وكذلك الأولياء على تكريس قواعد العيش معا التي تقتضي احترام الآخرين وصون حرمة المؤسسة وحفظ كرامة العاملين فيها ونبذ السّلوكات المنافية للأخلاق وكل أشكال العنف والتسيّب. وينص الفصل 26 على أن تبعث في المؤسسات التربوية خليّة يطلق عليها اسم »خليّة التوفيق المدرسية » يتمثّل دورها في التوسّط لحلّ المشكلات ،التي قد تطرأ في الحياة المدرسيّة، بالحسنى ، وذلك بالتعاون الوثيق مع مدير المؤسسة، وتتكوّن هذه الخليّة من ممثلي المدرسين في مجلس التربية ومن المرشد التربوي ومن المرشد في الإعلام والتوجيه المدرسي . ولا ندري في هذه الحالة التي نحن فيها إذا كانت » خلية التوفيق » هذه قد وقع تفعيلها وفق ما ينص عليه القانون . غير أن عدم تفعيل هذه الخلية لا يمنع من اتخاذ إجراءات تأديبية ضد التلميذ في الحالات التي ينص عليها القانون
النظام التأديبي
الأكيد كما ينص على ذلك النظام التأديبي المدرسي الذي يتضمنه المنشور عدد 91/93: 01 أكتوبر 1991 (من أهم النصوص القانونية المدرسية)، أن تظافر الجهود يجعل كل نظام تأديبي مجرّد نظام احتياطي لا يقع اللجوء إليه إلآّ عند الحاجة الماسّة، وبعد استنفاد كلّ الوسائل التربويّة العادية الملائمة. ومهما يكن من أمر فإنّ الهدف منه إنّما هو الاصلاح والإرشاد والحثّ على احترام الآداب العامّة داخل المؤسسة التربوية وخارجها مع انتهاج التدرّج في الإجراءات التأديبيّة فلا تعامل المخالفة المرتكبة لأول مرّة كما تعامل المخالفات المتكرّرة التي تنمّ عن إصرار على الخطأ.
وفي هذا السياق يفرض النظام التأديبي احترام التلميذ في ذاته اعتبارا للطبيعة التربويّة للعقاب المدرسي. فالقانون يمنع المس من ذات التلميذ ماديا او معنويا أو إسناد أيّة عقوبة محجّرة: العقوبة البدنيّة – الكلمة الجارحة – التهديد اللفظي – الحط من العدد – الإقصاء عن الدرس. وإذا أخل الأستاذ بقواعد هذا النظام الذي يوجب احترام التلميذ فانه معرض للطرد من الوظيفة العمومية إذا تبين أن الجرم المرتكب من الأستاذ يمثل خطأ فادحا تقدره اللجنة المتناصفة التي تنعقد كمجلس تأديب وفق ما ينص عليه قانون الوظيفة العمومية وإذا كان الأستاذ الرميلي قد ارتكب أي خطأ فان وزارة التربية والقضاء كفيلان بالبت في كل تهمة نسبتها أو تنسبها اليه التلميذة سواء في شكاية تقدمها لإدارة المؤسسة التربية أو للإدارة الجهوية أو الادارة المركزية كما انه من حقها أن تتقدم ضده بشكاية جزائية. ولا ندري اذا كانت التلميذة قد اشتكت أستاذها (ليس أستاذها المباشر كما ذكرنا) لأي سبب من الأسباب المخلة بقواعد السلوك التربوي.
غير ان القانون ينص بشكل صريح على انه يمنع على التلميذ أيضا المس من حرمة الإطار التربوي بأسره فضلا عن المس من حرمة المدرس واعتباره أمام تلاميذه وزملائه بل في نظر المجتمع ككل عند يمارس الاعتداء خارج القسم وبشكل علني وعبر وسائل الاتصال كما هو الأمر في هذه القضية.
وينص الأمر عدد 2437 لسنة 2004 مؤرخ في 19 أكتوبر 2004 يتعلق بتنظيم الحياة المدرسية في فصله الثالث : على انه من واجب التلاميذ «احترام المدرسين والمؤسسة التربوية وجميع العاملين بها، والامتثال لما يقتضيه النظام الداخلي للمدرسة من مثابرة ومواظبة وانضباط. ويحدّد النظام التأديبي العقوبات المترتبة عن عدم التقيّد بهذه الواجبات».
وينص المنشور عدد 91/93: لسنة 1991 في أحكامه العامة وفي النظام التأديبي المحدد للعقوبات المدرسية على ان مضايقة احد أعضاء أسرة التربية ينتج عنه الرفت لمدة 15 يوما أو حتى الرفت النهائي من المعهد وعند ثبوت ارتكاب العنف اللفظي آو المادي ضد أعضاء الأسرة التربوية أو عند القيام بأعمال تخريبية يكون العقاب المستوجب هو الطرد النهائي من جميع المعاهد والمدارس الثانوية.
ويتضح من ظاهر الأمر (لا علم لنا بملف التلميذة وإمكانية وجود سوابق في ملفها) أن ما قامت به التلميذة من اعتداء صريح على الأستاذ من خلال الأوصاف التي استعملتها في الحديث عنه والاتهامات التي كالته له يدخل ضمن سلم العقوبات التي يتضمنها القانون بل إن هذا السلم يذهب إلى أبعد من القرار الذي اتخذه مجلس التربية في معهد العمران إذ أن الخطأ المرتكب من التلميذة في هذه الحالة قد تصل العقوبة فيه إلى الطرد النهائي من جميع المعاهد والمدارس وليس فقط من المعهد الذي يزاول فيه التلميذ دراسته.
ملاحظات جوهرية على هامش القضية
بعد التذكير بهذه المعطيات التي تبدو لنا ضرورية نريد أن نبدي بعد الملاحظات الجوهرية.
اولا: العقوبة المسلطة على التلميذة جاءت في إطار اجتهاد مجلس التأديب التابع لإدارة المؤسسة وهو ما يخوله لها القانون وفق سلم العقوبات المذكورة آنفا كما أنها من اختصاص المؤسسة التربوية ولا دخل فيها للإدارة الجهوية أو الوزارة.
ثانيا: العقوبة المسلطة على التلميذة قابلة للطعن أمام القضاء الإداري. وهو الوحيد المخول بتقييم مدى تناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب.
ثالثا: ان التضامن مع التلميذة لا يمكن أن يكون على حساب المدرسة ذاتها وعلى حساب المدرس. فمن لا يعرف المدرسة التونسية وما تعانيه من عنف وتسيب لا يعرف حجم المعاناة التي يعيشها المدرس. وان أية استهانة في مقاومة منطق التسيب ليس مفيدا بالمرة بالنسبة إلى التلميذ نفسه إذ أن المس من كرامة المربي كثيرا ما يحول القسم إلى مدرسة مشاغبين لا يستقيم معها لا التدريس ولا الدراسة.
رابعا: إن الحديث عن تميز التلميذة الفنانة ليس له أي معنى. فالتميز له طابع أخلاقي أيضا وهو ما ينص عليه المعلمون والأساتذة في ملاحظاتهم في دفتر الأعداد عندما يكتبون «تلميذ متميز من حيث التنائج والسلوك».. إن السماح للمتميزين علميا او فنيا بالخطأ هو حط من معنى التميز واعتداء صريح على الجوانب الأخلاقية فيه. فإذا كان التميز يبيح الاستهانة بالقانون فمن حق العباقرة والفنانين الكبار والمفكرين أن يرتكبوا كل الفظاعات.. يذكرني ذلك بقضية المخرج الشهير السينمائي رومان بولنسكي فلقد وجد من يدافع عنه وهو المتهم بالاغتصاب لمجرد انه رجل «فنان وعبقري (انظر مقالنا) رسالة الى «مغتصب النساء» رومان بولنسكي بمناسبة تكريمه في حفل «السيزار» بقلم عبد السلام الككلي اسطرلاب 1 مارس 2020». طبعا مع حفظ كل الفروق في هذا القياس.
وعلى هذا الأساس لم أفهم التوضيح الذي نشره المعهد بعد قراره ويشيد فيه بتميز التلميذة المطرودة. فمتى كانت المعاهد تنشر نصوصا توضح فيها للعموم قراراتها ؟ وما صلة المدح الذي تكرمت به على التلميذة «المتميزة» بالعقوبة المسلطة عليها .؟
خامسا: لا شك أن القضية اتخذت بعدا سياسيا وتحركت بصددها الأحقاد مثلما هو الأمر دائما في هذه الأيام. فلم تعد القضية قضية تلميذة مذنبة باعترافها واعتراف والدتها اعتدت على أستاذها اعتداء صريحا يسقط تحت طائلة القانون المدرسي بشكل صريح لا غبار عليه بل قضية أستاذ معارض لإجراءات 25 جويلية. من هنا يتحول التضامن مع التلميذة إلى انتقام من المعارض الذي استغل شهرته للتأثير على المجلس الذي اتخذ في نظر البعض قرارا لا يتناسب مع الجرم المرتكب. فما معنى هذا السحل الالكتروني الذي يتعرض له الأستاذ الرميلي من وسائل إعلام جاهلة تماما بالقانون المدرسي بل حتى بواقع المدرسة التونسية.؟
أخيرا لسنا مع العقوبات القاسية ضد التلاميذ ونحن دائما مع تفعيل منطق الحوار وفق ما ينص عليه القانون المذكور بتفعيل «خلية التوفيق المدرسي» ولكن الدفاع عن التلميذ حقا أو باطلا أو الدفاع عن الأستاذ بمنطق انصر أخاك ظالما أو مظلوما هو تخريب للمدرسة العمومية من كل أولئك الذين يعتقدون الدفاع عنها.
اتركوا المدرسة العمومية للتسيب وستكون النتيجة هروب الجميع إلى المدارس الخاصة وهو ما نشاهده الآن. فهناك لا إضرابات ولا اعتداء على الأساتذة من التلاميذ ولا من الأساتذة على التلاميذ ولا تسيب من الإطار الإداري أو التربوي… هناك البحث عن «التفوق» لمن يملكون المال لإنقاذ أبنائهم من المدرسة العمومية التي يتهددها العبث والفوضى.