المونديال والمثلية …
سامي براهم
النّزعة المثلية تحوّلت من تعبيرة حقوقيّة رافضة لملاحقة الأفراد واضطهادهم بسبب ميلهم الجنسي إلى تيّار “كفاحيّ” militantiste عالميّ يعبّر عن رؤية وجوديّة وموقف أيديولوجي وينتظم تحت رايته جمعيّات ولوبيات ضاغطة تشكّل قاعدة انتخابيّة اخترقت فضاءات السّلطة بمختلف واجهاتها الصّلبة والنّاعمة… حتّى أصبحت قوّة سياسيّة واقتصاديّة وإعلاميّة نافذة في قرارات عدد من دول العالم والمنظّمات الدوليّة ونجحت في فرض تغليظ تجريم ما سمّي بالأوموفوبيا homophobie إلى ما يعادل معاداة السّاميّة…
ضمن هذا الإطار تتنزّل مغالبة الدّولة المستضيفة للمونديال في علاقة بالموقف من إشهار المثلية… وإن فشلت هذه المنظومة العالميّة في إخضاع الدّولة المستضيفة وكسر قرارها فقد نجحت في اختراق المونديال بتقسيم المشاركين فرقا وجماهير بين مناصرين ومعادين وما يمكن أن يخلقه ذلك من تشويش على المشهد الكرويّ…
الرّغبة المحمومة في عولمة المثلية تجاوزت التّطبيع مع العلاقات المثلية بأصنافها والاعتراف بما يسمّى مجتمع الميم والكويريين إلى إعادة تشكيل هويّات جندريّة جديدة تتعسّف على طبيعة الخلق… بمقتضى هذا التجريب الجندري التعسّفي تنظّم عروض لراقصين ملتحين بشوارب عريضة ولكن بلباس أنثويّ وكامل زينة الرّاقصات في تشويش على الهويّة البصريّة وكسر للتّمايز الجمالي والقيمي بين الجنسين…
بدأت السرديّة المثلية في شكل دفاع عمّا اعتبر مظلمة انتهاك لحرمة الأجساد ليتطوّر ككرة الثّلج إلى اعتراف بنمط عيش جديد وشكل انتظام اجتماعي جديد قائم على الأسر مثلية الأبوين حتّى وصل إلى حدود سرياليّة في العبث الجندريّ الذي يُرَادُ تعمِيمُه في كلّ دول العالم وخاصّة دول الشّرق التي لا تزال تبدي حدّا من الممانعة المتفاوتة بينها…
بعض التفسيرات التّآمريّة تعتبر أنّ الصّناعة التّسويقيّة لهذه الظّاهرة على امتداد العالم تتنزّل ضمن إرادة قوى نافذة في القرار الدّولي بقصد التّقليص من عدد السكّان ضمن مقاربة تحذّر من مستقبل العالم في ظلّ تعداد السكّان الحالي… لكن التّفسير الأكثر انسجاما وقربا من التّسلسل الزّمني لتطوّر الظّاهرة يكشف عن حقيقة موضوعيّة مفادها أنّ الفصل بين الشّأن العامّ ومرجعيّة القيم والأخلاق يفتح الباب لكلّ أشكال التّجريب السّلوكي وفوضى القيم والمفاهيم والمرجعيّات… إلى حدّ يمكن معه الحديث اليوم عن ضرب جديد من الكولونياليّة الحاملة للراية الملوّنة لمجتمع الميم…