عبد الإله شفيشو
- هل الأزمة المستشرية تعد امتداداً لتراكمات الأزمات الموروثة أم أنها تمثل كبوة جديدة من كبوات التراجع إلى الوراء وانتهاكا صارخا لكل الوعود المصطنعة؟،
- ما الذي تحقق من شعارات الأغلبية وكم نسبة المتحقق منها بعد فوزها بالانتخابات حتى اللحظة الراهنة على أرض الواقع؟،
إن هذه التساؤلات وغيرها من الاستفسارات المصيرية التي فرضت نفسها بمرور الوقت كحالة من حالات اليأس والإحباط صارت هي الشغل الشاغل لعامة الناس نسمعهم يثيرونها باستمرار كلما اجتمعوا في السوق أو في المقهى أو في مجالسهم الخاصة وما أكثر المظاهر السلبية التي تستفزهم وتثير غضبهم وتعكر أمزجتهم ، فلا شيء يبعث على الارتياح فكل ما نراه في مسلسل المشاهدات اليومية يعكس صورة مؤلمة واحدة تشترك في مكوناتها المزرية لترسم ملامح الانحدار والتردي فالوطن لا يزال يتخبط في مخاض عسير وظلام دامس لاتخاذ قرار لم يحسم بعد فيه بشأن نمط وشكل الديمقراطية المطلوبة والمقصودة في بلد زاخر وغني بطاقاته الهائلة ومكوناته المختلفة.
إن الخلل الأساسي ظهر مع دستور 1960 فكل إصلاح حقيقي يأتي من معالجة عين المشاكل و ليس مظاهرها فقط و هو الفرق بين الإصلاح و الترقيع فلقد عرفت مرحلة ما سمي بالانتقال الديمقراطي تعثرات كثيرة – بشهادة أهلها – بما أوحى على فشلها لأنها لم تنبني على أسس وقواعد الانتقال الحقيقي لأن الشروط التي أنتجت انخراط القوى الديمقراطية في المسلسل الديمقراطي المرسوم مسبقا لم تكن من حيث المبدأ واضحة المعالم أولا لتغييب منطق المشاركة و ثانيا لهيمنة منطق الانصياع و التنفيذ ولا زالت استمرارية نفس الشروط هي الحاكمة و السائدة، فنموذج من الحكم عفي عليه الزمن أنهك الشعب و أغرقه في الأزمات و مهد السبيل للمفسدين فنهبوا الثروات وللمستبدين فتسلطوا وطغوا هو السائد، والأحزاب السياسية لم ترضخ لصوت الشعب الذي ما فتئ ينادي وفي كل محطة انتخابية لا للعبث بمصيره فالانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرة وما أسفرت عنه صارت في نظر الشعب قد أضحت باعثة على الملل والكآبة فأكثر المواطنين في حيرة من أمرها بعد أن قيل لهم أن هاته الانتخابات هي حل وعلاج للأمراض الاقتصادية والاجتماعية المزمنة.
إن الانتخابات التشريعية والجماعية التي شاركت فيها كل الأحزاب المغربية بمن فيهم الحركة اليسارية (الراديكالية) إن استثنينا حزب “النهج الديمقراطي” الذي يرفض حسب تصريحاته الدخول في اللعبة بشروط مملاة وقواعد تقليدية بالإضافة إلى جماعة “العدل والإحسان” قد -الانتخابات- كرست لواقع الفساد والإفساد فالشيء الذي لا يبعث على الاطمئنان هو إصرار الدوائر النافذة على إبقاء نفس الظروف والأسباب التي أنتجت اختلالات العقود الماضية عل ما هي عليه حيث يلاحظ المتتبع للشأن المغربي أن ثمة خطاب سياسي واضح يتعلق الأمر بطرح حالة الاستمرارية كهدف مركزي لآفاق المرحلة القادمة، فنجد نظاما حاكما يطمح أن تبقى له الاستمرارية التقليدية في كل شيء دون تنازل أو تعديل وأحزاب تريد تكريس استمراريتها -أغلبية و معارضة- المفتقدة لأدنى شروط التماسك، الصورة إذن واضحة فالكل يراهن على تحقيق مبتغاه المحدود يرهنون به مستقبل المغرب في نمط سياسي مغلق لا أفق له فلا يمكن أن يتم تحول عميق على مستوى دمقرطة تدبير الشأن العام في ظل هذا الترقيع الممنهج.
فالراحل الدكتور “المهدي المنجرة” ذو التوقعات والاقتراحات المبنية على أساس معطيات ميدانية دقيقة يقول : (أن أكثرية الدراسات و التقارير الدولية تشير إلى عدم تحسن أوضاع المغرب عاما بعد عام بل هناك تراجع إلى الوراء على الخصوص في القطاعات الاجتماعية (الأمية و الفقر) و تصاعد الفرق في توزيع الدخل الوطني، تدهور النظام التربوي، انهيار الجامعة، انتشار الرشوة والفساد وعدم مصداقية العدل… إن الإصلاح آت أحب من أحب… والسؤال الوحيد الذي يجب أن نفكر فيه هو ثمن هذا الإصلاح فكل تأخير سيدفع عنه الثمن، وفي شأن أولوية الإصلاح على المستوى السياسي أولا يجب إسناد القرار إلى أهله أي الشعب ولهذا يجب أن لا نستمر في ظل دستور ممنوح).
وعليه، إن الإصلاح لا يأتي على يد الذين لا يجيدون الإصلاح ولا يمكنهم أن يصححوا المسارات الخاطئة إذا كانوا غير قادرين على منع تمرير الأزمات والانتهاكات ولا تستطيع حكومة الكفاءات محاربة الأزمات إذا كان مسؤولها وأحزابهم وعشيرتهم يوفرون لهم فرص الإفلات من المحاسبة والمسائلة، في مجمل القول من أين سيأتي بالإصلاح إذا كان الشعب نفسه لا رغبة له بالإصلاح ولا يفكر فيه ولا يطالب المفسدين بأبسط حقوقه وأبسط استحقاقاته؟.
عبد الإله شفيشو / فاس