المولد في القيروان: تَدنيس مقام الصّحابة بعروض العُري..
سليم حكيمي
بين “كان من عادتنا أن نُفطر صبيحة المولد في الكُتّاب…” كما قال الأديب “على الدّوعاجي” وبين الرقص عُراة أمام مقام صحابي جليل، تلكم المسافة التي قطعتها علاقة الدولة بالدّين. القيروان التي كانت غَيْضة أطرد منها الصّحابة السّباع والهوام،.اختلط فيها المرعي بالهَمل والطَّغام. إذ أقدمت فرقة على عرض موسيقي بسطمبالي “بوسعدية”. وموضع العجب الأول أنها اختارت مقام صحابي جليل مكانا والثاني أن رئيس جمعية المهرجان الدولي يصرح بانه فوجئ بالعرض كغيره…
اقتفاءا لأثر الحجّة الجاهليّة من “سياحة العقيدة” الأخيرة التي اقترفها يهود الغريبة بمدينة جربة حين احتسوا الخمر في موئل الدّين، لم يكفهم الخروج عن الملّة في أعياد رأس السنة، وحصر الدين في الإسلام السياحي مختزلا في الفلكلور والتهريج، ولقطع وريد انتماء للتاريخ والهويّة جاء النّاس للشعور بهما، حتى تطاولوا في عرض لم يراع خصوصية المكان والزمان، بل راهن على أن جمهور المناسبة ليس جمهور الالتزام الديني، فلم لا ترقيصه في زمن صار فيه الرقص مقصدا في حد ذاته، وأعلى المقاصد الفنية، رغم أنه لا علاقة له ببقية الحفل بل بموجة الرقص الكاسحة؟. إذ لا ينظر للاستهانة بالجمهور شيئا غير واجب الوقوع، بل الجميع يستهين بالجميع في نظام يختبر قدرة الناس على التكيّف مع جرعات الرّداءة في كل مرّة، ويضيع على المدينة سمعة سياحة دينية تستقبل مليون زائر. إيقاف العرض بعد أربعة دقائق يبين أن الثقافة في وادي والناس في ضفة أخرى، ليصبح ما هو ديني محرجا للسلطة والنخبة. واستبعاده يعني استبعادا للحرج الذي يسببه لسلوك الانحراف، حتى وان كان في معقل الدين. فصل الدين عن الدولة ويراد فصله عن الثقافة من نكبة نخبة لا تعادي منه موقفا فكريا فحسب، بل جوهرا لو تحقق في الواقع مثل إدانة لها ولذلك تطرده. فهي ليست بصدد نفي وهم بل حقيقة ثاوية وليست ثانوية. فعندما يقع يقع استفزاز المسلم في دينه يتحول في لحظة ما إلى أولوية.
للجيل المُستلاط المُستحلق بالنسب للإسلام، فان الصّحابي “أبو زمعة عبيد بن أرقم البلوي” من أصحاب الشجرة،. استشهد سنة 34 هـ، خلال الفتح الإسلاميّ لإفريقيّة في غزوة معاوية بن حُديج، إثر معركة ضدّ الجيوش البيزنطيّة قبل تأسيس القيروان. فقد جمع “عقبة بن نافع الفهري” أصحابه وقال “إن أهل إفريقية قوم إذا غَصَبهم السّيف أجابوا إلى الإسلام، وإذا رجع المسلمون عنهم عادوا إلى دينهم، ولست أرى نزول المسلمين بين أظهرهم رأياً، لكن رأيت أن أبني ههنا مدينة يسكنها المسلمون. فجاؤوا إلى موضع القيروان سنة خمس وخمسين، ومنها انتشر الإسلام في إفريقية ومنها إلى الأندلس. غير أن دينا في بيئة متخلفة يخلف تدينا متخلّفا في بيئة معادية للدّين ينشئ احتفالات راقصة بمناسبات دينية في تدنيس مذهبي مقصود. يقول المفكر الإيراني “علي شريعتي: “أن مجتمعا وضيعا غير واع، حتىّ وان كان له دين متطوّر وراق، فانه لن يتمكن من الرقي، بل سيحطّ من مستوى دينه الراقي، ويضغطه في قوالب ملوَّثة وضيّقة ويمسخه”.
… واذا تعلمت الدّين من الثعلب سوف تعتقد أن سرقة الدجاج فضيلة، كما ضُرب مثلُ..
صحفي من تونس