عبد العزيز الرباعي
ما بني على باطل فهو باطل…
ما يتم من نقاش حول مسودة الدستور وحول المشاركة بنعم أو لا ما هو إلا تعويم وتشتيت لانتباه الناس عن أصل النزاع…
وإنه يذكرنا بما حدث للقضية الفلسطينية التي انتقل النقاش حولها من أصل القضية وهو تخليص فلسطين من الاحتلال الصهيوني.. إلى صراع حول مناطق ألف ومناطق باء وهجمات استيطانية…

أصل النزاع في تونس منذ 25 جويلية هو سطو رئيس السلطة التنفيذية على الدولة وانتهاكه لكل القوانين وإلغاؤه للدستور وتنصيبه لنفسه حاكما مطلقا للبلد يفرض قانونه الخاص بواسطة الدبابة والسلاح…
كل ما قام به سعيد منذ 25 جويلية كان خارج الدستور… لقد نجح سعيد في انقلابه الذي أعد له هو وحلفاؤه منذ مدة طويلة…
هذا الانقلاب قسم البلاد إلى شقين…
شق قابل بل سعد بما حدث لأنه يرفض رفضا قاطعا القبول بحكم ديمقراطي يمكن أعداؤه الإيديولوجيين من الوصول إلى الحكم مهما كانت نزاهتهم أو حرفيتهم أو قدراتهم أو شرعيتهم… هو لا يريد أن يكون هناك مجال لتحقيق الإسلاميين لمشروعهم… لأنه في تلك الحال سيكون في ذلك انحسار لشعبيتهم وانكشاف لفساد طروحاتهم وزيف مقارباتهم… وأطلق على ما حدث اسم.. تصحيح المسار… زورا وبهتانا لأنه في الحقيقة لم يكن إلا انتكاسا عن المسار الديمقراطي الذي انطلق منذ 2011..
شق ثان رفض العملية برمتها وتمسك بالعودة إلى الشرعية والمسار الديمقراطي…
الشق الأول وزعيمه تشبث بمنطق الإقصاء وفرض الأمر الواقع بقوة العصا الغليظة للقوة العسكرية والشرطية… وجعل من السلطة غنيمة له ولأنصاره…
الشق الثاني حاول التعامل مع الأمر الواقع ودعا للحوار ولتقريب وجهات النظر سعيا منه للتدارك وإيمانا منه بأن الأمور خرجت من مجال السياسة لتدخل مجال الهيمنة وفرض الواقع بالقوة… وذلك في محاولة لإنقاذ البلاد من العودة إلى مربع الاستبداد…
لكن جماعة الانقلاب تمسكوا بنهج الإقصاء والغلبة وذلك لتأكدهم أنه لا نجاح لمشروعهم الإقصائي إلا باستخدام القوة…
منذ 25 جويلية وتونس تعيش على الوعود الكاذبة التي بان زيفها ولم يتحقق منها شيء لا على المستوى الاقتصادي ولا الاجتماعي ولا التنموي ولا حتى السياسي…
قيس سعيد منذ 25 جويلية يتعامل مع الجميع على أنهم قصر وأعداء حتى من هم على صلة وثيقة به.. ورأينا ما حدث لنادية عكاشة والزكراوي والمشيشي.. وليس آخر الجماعة بلعيد ومحفوظ….
بالنسبة لقيس سعيد التونسيون نوعان…
معارضوه وهو يصفهم بالحشرات والمخمورين والغير وطنيين والفاسدين وكل المعجم القذر يصح أن يقال في حقهم…
أتباعه وأنصاره ومريدوه… بدءا من رضا لينين وعكاشة وانتهاء ببديدة والعرفاوي والمغزاوي وحمدي والصادق شعبان… وهؤلاء يصنفهم في خانة المنافقين والطامعين والمتملقين والماكرين.. فهو لا يثق بهم ولا يطمئن لهم ويتعامل معهم بكثير من الحذر وأكبر دليل على ذلك ما حدث لأغلب مستشاريه… وما فعله برئيس الهيأة التي شكلها لكتابة الدستور وجل أعضائها…
سعيد يعلم أن المحيطين به لا أمان لهم وأنهم منافقون يمكن أن ينقلبوا عليه في أي لحظة مثلما حدث مع نادية عكاشة في تسريباتها وعن الزكراوي في تصريحاته المعادية له ومع بلعيد في هجوماته المعاكسة وتبرؤه من الدستور الجديد بعد ظهور النص المقترح في الرائد الرسمي يوم 30 جوان المنصرم… إذا كل مراهنة سعيد على القوة… أي على الجيش والداخلية… لذلك هو يضع على هاتين المؤسستين أكثر أتباعه قربا منه… أما البقية وخاصة الحكومة فإنه شكلها من نكرات محدودي القدرات حتى لا يبرز فيهم أحد وحتى يبقى هو الوحيد الظاهر في الصورة والمتحكم في كل خيوط اللعبة… فلا يتم شيء في البلد إلا بأمره وحده فقط…
سعيد اليوم هو السلطة التنفيذية وهو السلطة التشريعية وهو الهيئات الدستورية وهو المدعي العام وهو القاضي وهو الجلاد وهو الدستور وهو القانون وهو الإعلام وهو الناطق الرسمي وهو الآمر بالصرف وهو الواضع للاستراتيجيات… ما يقرره سعيد هو الحق.. وما يرفضه سعيد هو الباطل… سعيد لخص الشعب في شخصه.. هو يرى أنه اختزل الشعب في شخصه.. فعندما يتحدث سعيد فليس سعيد من يتحدث وإنما هو الشعب… إنه نوع من الحلول ولكن حلول من نوع مختلف عنا عرفناه عبر التاريخ عند الحلاج وشيخ الإشراق…
عندما قام سعيد بما سمي بالاستشارة.. اعتبر أنها ناجحة رغم فشلها الذريع.. وكذلك هو سينظر بنفس المنظار للاستفتاء ونتائجه… فهو ناجح عنده.. سواء شارك فيه الناس أم لم يشاركوا… صوتوا بنعم… أو بلا…
طالما أن القوة العسكرية والمؤسسة الأمنية تحت إمرة سعيد وتدعمه فبالنسبة له الشعب يجب أن يسير في النهج الذي يرسمه له سعيد لأن سعيد هو الشعب وكلام سعيد هو الدستور ولا وطني ولا نزيه ولا أمين في البلاد إلا سعيد…
إن انقلاب سعيد على دستور 2014 وعلى نتائج انتخابات 2019 وعلى الهيئة المستقلة للانتخابات التي أشرفت عليها وعلى القانون الانتخابي الذي أوصله إلى قرطاج.. أي انقلاب سعيد على المسار برمته.. باستثناء شخصه… فكل ما نتج عن مرحلة الانتقال الديمقراطي منذ 2011 هو باطل وأسود بالنسبة لقيس سعيد إلا قيس سعيد؟؟؟ هذا يجعل كل ما يقوم به سعيد من الناحية القانونية والدستورية والحقوقية والسياسية باطلا…
سعيد يبحث عن شرعية مزيفة… لأنه في قرارة نفسه يعلم أنه لا يتمتع بأي شرعية منذ 25 جويلية 2021 إلى شرعية الدبابة التي أغلقت باب البرلمان الممثل لإرادة الشعب…
المشاركة في مهزلة الاستفتاء هو جريمة في حق تونس وأهلها وخاصة الأجيال القادمة… لأنه مهما كانت النتائج فإنها إما أن تزور أو تزيف كما زيفت نتائج الاستشارة… وستبقى ما بني على باطل فهو باطل…
ما يتم من نقاش حول مسودة الدستور وحول المشاركة بنعم أولا ما هو إلا تعويم وتشتيت لانتباه الناس عن أصل النزاع…
وإنه يذكرنا بما حدث للقضية الفلسطينية التي انتقل النقاش حولها من أصل القضية وهو تخليص فلسطين من الاحتلال الصهيوني.. إلى صراع حول مناطق ألف ومناطق باء وهجمات استيطانية…
أصل النزاع في تونس منذ 25 جويلية هو سطو رئيس السلطة التنفيذية على الدولة وانتهاكه لكل القوانين وإلغاؤه للدستور وتنصيبه لنفسه حاكما مطلقا للبلد يفرض قانونه الخاص بواسطة الدبابة والسلاح…
كل ما قام به سعيد منذ 25 جويلية كان خارج الدستور… لقد نجح سعيد في انقلابه الذي أعد له هو وحلفاؤه منذ مدة طويلة…
وستبقى الدبابة وعصا البوليس هي الشرعية الحقيقية لنظام تأسس على انقلاب غير شرعي…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.